تحظى مسألة مكافحة الفكر المتطرف العنيف المؤدي للإرهاب في العراق بوجه خاص ، وفي العالم بوجه عام ، باهتمام كبير للدولة بمختلف مؤسساتها ، مثلما تحظى ايضاً وفي الوقت ذاته ، باهتمام مماثل لدي دول العالم الاخرى وفي مقدمتها المؤسسات والمنظمات الأممية ومراكز الدراسات والبحوث ووسائل الاعلام ، ذلك ان هذا الفكر لا يشكل فقط (المرجعية) الدينية والسياسية للجماعات الارهابية ، إنما ايضاً – وهذا مهم – يشكل عاملا مهماً لاستدراج وجذب المقاتلين الى صفوفها الذين يتأثرون ويقتنعون بهذا الفكر !
لقد عبرت القيادات السياسية والعسكرية والأمنية ، اضافة للمواطنين ، عن ابتهاجها واحتفائها الكبيرين بتحقيق النصر الكبير على تنظيم داعش عسكرياً وإسقاط دولة خلافته الخرافية وتحرير كامل الاراضي التي احتلها بدءاً من العاشر من حزيران 2014 من دنسه ، لكن ذلك النصر ، على اهميته ودلالاته التاريخية والسياسية ، لن يشكل نهاية المطاف في الحرب على داعش ، واحتمالات عودته بأشكال اخرى ، وكان الكثير من تلك القيادات يحذر من ظهور (ابن داعش) بأساليب جديدة لأعماله الاجرامية بعد هزيمته في المواجهة العسكرية المباشرة ، وهو ما حصل فعلاً عندما بدأت الخلايا الكامنة للتنظيم الارهابي شن عمليات ارهابية في العديد من المناطق المحررة وغيرها ، كما حصل في مناطق عدة من نينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك .. وغيرها حيث أطلقوا على بعض تلك العمليات (اصحاب الرايات البيضاء !)
ووفقاً للتوقعات عما سيقوم به داعش بعد هزيمته وما دللت عليه عملياته الارهابية اللاحقة ، وسعت الجهات الامنية والحكومية المعنية من اهتماماتها لوضع الخطط والاستراتيجيات التي من شانها مواصلة وتيرة مواجهة داعش وملاحقته للحد من اعماله الارهابية وصولاً للقضاء عليه نهائياً ولتحقيق ذلك جرى ويجري التاكيد على ان القضاء عسكرياً وامنياً على الارهاب يتطلب العمل وبشكل متواز مع مكافحة الفكر المتطرف العنيف الذي يشكل احد الاسباب الرئيسة المؤدية له .
وفي ضوء ذلك ، واستكمالاً لاستراتيجية مستشارية الامن الوطني التي وضعتها عام 2015 وتماشياً مع القرارات والبيانات التي اصدرتها الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن وسائر المؤسسات الدولية المعنية بهذه المسألة المهمة ، عمدت الجهات الامنية ومستشارية الامن الوطني على وضع خطة استراتيجية تكون اكثر استيعاباً وتجاوباً مع متطلبات الوضع الامني في مواجهة داعش بعد هزيمته العسكرية ، وكانت القاعدة الاساسية التي تقوم عليها الاستراتيجية الجديدة هي كيفية وسبل مكافحة الفكر المتطرف العنيف بدءاً من ملاحقة منابعه وجذوره وصولاً لسبل مواجهته للقضاء عليه . وتعبيراً عن تكثيف التوجه لمكافحة الفكر المتطرف العنيف المؤدي للارهاب اصدر “ مجلس الامن الوطني “ كتاباً متخصصاً بعنوان : (استراتيجية مكافحة التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب ) وهو حصيلة رؤية وبحث متواصل لصياغة هذه الاستراتيجية وقد شارك فيه فريق عمل من 24 باحثاً وخبيراً ومتخصصاً من 8 وزارات ومن الاجهزة الامنية إضافة الى (مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية) فضلاً عن متخصصين من الجامعات ومنظمات المجتمع المدني .. وذلك بالاعتماد ايضاً على قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة وقرارات مجلس الامن حول هذه المسالة .
وبعد ان حددت هذه الاستراتيجية مرتكزاتها لمكافحة التطرف العنيف وتحديد الاسباب المؤدية له حددت في الوقت نفسه اهدافها ووسائل تحقيقها وتحديد الجهات المعنية بذلك : التربوية والتعليمية والثقافية والمؤسسات الدينية والحكومية .. وغيرها ثم خلصت الى التوصيات التي تحدد سبل العمل لتطبيق هذه الاستراتيجية على صعيد الواقع العملي ، وبالطبع ان تحقيق ذلك يتطلب المتابعة المتواصلة التي ترتقي الى مستوى الاهمية الكبيرة لهذه الاستراتيجية في مكافحة الفكر المتطرف والمتطرف العنيف الذي يؤدي الى الارهاب .
عبد الحليم الرهيمي