اسطنبول – واع- فراس سعدون
فقدت الليرة التركية في الأسبوع الأخير نحو 20% من قيمتها أمام الدولار الأميركي بسبب التوتر والعقوبات المتبادلة بين أنقرة وواشنطن، فيما سجلت الليرة الجمعة الماضي - آخر أيام أسبوع تداول السوق التركية - رقما قياسيا منخفضا عند 6 ليرات و80 قرشا مقابل الدولار الواحد (100 دولار تساوي 680 ليرة)، عقب فرض الرئيس الأميركي رسوما مضاعفة على واردات الصلب والألومنيوم التركية.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وتتفاوت آثار الخسائر الكبيرة لليرة في حياة العراقيين داخل تركيا، المقدرة آعدادهم بمئات الآلاف، تفاوتا بحسب اختلاف مصالحهم، ومستويات معيشتهم، ورواتبهم، وما إذا كانوا يتلقون عائداتهم بالليرة، أو الدولار، أو أي عملة أخرى.سوق العمل
واضطر حيدر عماد مؤخرا لترك عمله في معمل للخياطة يملكه أتراك في منطقة كورتولوش القريبة من تقسيم أشهر مراكز اسطنبول، بعد أن صار راتبه الشهري يعادل 200 دولار.
وكان حيدر يتقاضى 1300 ليرة شهريا، في وقت تتراوح فيه الرواتب الدنيا للعمال بين 1200 ليرة و2000 ليرة.
ويتوزع العمال العراقيون على قطاعات مختلفة في السوق التركية، لكن الكثير منهم يعملون في ورشات خياطة، ومحلات ملابس، ومطاعم، وشركات سياحة وسفر وشحن، وتسويق عقاري، فيما يفضل آخرون العمل بمهن يجيدونها لحساباتهم الشخصية مثل الكهرباء، والحدادة، والصبغ، وصيانة المنازل.
ويقول حيدر لـ"واع": إن حياته تتأثر بضعف الليرة، موضحا أن "الضرائب والفواتير وأسعار المحلات تزداد. ربطة الخبز كنت أشتريها بليرتين صارت بليرتين ونص".
ويعمل حيدر حاليا دليلا سياحيا مع "كَروبات" قادمة من العراق والخليج، ويأخذ أجوره بالدولار، كما يتلقى حوالات من أهله وأقاربه لتعينه على العيش في مدينة مثل اسطنبول.
ويلفت حيدر إلى أن مكاتب شركة ويسترن يونيون للحوالات في تقسيم وسلطان أحمد رفضت تسليمه آخر حوالة بالدولار قبل أيام، مبيّنا "صرفولي الحوالة بالليرة حتى يحتفظون بالدولار".
سوق العقار
ويعزف العراقيون من المستثمرين في سوق العقار التركية عن الشراء حاليا، في وقت تشهد هذه السوق تنافسا بين العراقيين والخليجيين - السعوديين والكويتيين تحديدا - على صدارة "الأكثر شراءً".
ويفسّر مهند العجيلي، ويعملُ مسوِّقاً عقارياً، عزوف المستثمرين عن الشراء بقوله: "اللي يريد يشتري ويأجر (استثمار في مبالغ صغيرة) مثلا يشتري شقة بخمس دفاتر (50 ألف دولار) راح يكون عائد الإيجار 1200 ليرة يعني أقل من 200 دولار وهذا قليل جدا مقارنة بسعر الشقة".
ويعتقد مهند أن العزوف يسري على المستثمرين الكبار أيضا كونهم غير مستعدين لشراء العقارات بالدولار "القوي" وبيعها لاحقا بالليرة "الضعيفة".
ويؤكد مهند أن أسعار العقارات لم تتغير كثيرا أو حصل فيها ارتفاع طفيف". ويرى أن "الوقت مناسب جدا للعراقي اللي يريد يشتري حتى يتملك ويستقر بتركيا".
سوق السياحة
وشجع ارتفاع سعر الدولار، إلى جانب الارتفاع الكبير في درجات حرارة العراق، أعدادا كبيرة من السياح العراقيين على السفر إلى تركيا.
وأدى تدفق آلاف السياح العراقيين أسبوعيا صوب تركيا إلى صعوبات في حجز تذاكر سفر في يوم أو يومين.
ويذكر عادل العقيلي القادم حديثا من بغداد إلى اسطنبول "اضطريت انتظر 10 أيام حتى أحصل حجز بـ450 دولار ذهاب فقط".
وارتفعت أسعار حجوزات الفنادق في اسطنبول قرابة 5 بالمائة.
واكتفى موظف حجوزات في مكتب شركة ضيوف العربية باسطنبول عرف نفسه "أبو مصطفى" بالقول: إن "حركة السفر من العراق إلى تركيا قوية جدا"، رافضا الإدلاء بأي أرقام.
ولا تقتصر سياحة العراقيين على الترفيه بل تشمل العلاج، حيث تحتل تركيا مرتبة متقدمة في السياحة العلاجية.
ويقول الطبيب عثمان الراوي، المتخصص في السياحة العلاجية: إن "تركيا تمثل الوجهة الثانية للعراقيين الراغبين في العلاج"، متابعا "خلال 4 أيام اشتغلت على 3 عمليات في جراحة العمود الفقري، وتبديل المفاصل، وتصليح البطن لمرضى عراقيين".
وينعكس ضعف الليرة على القطاع الطبي التركي المرتبط بالعراقيين والأجانب عموما.
ويشرح الراوي، الذي يعمل في مستشفى مدسن الأهلي بمنطقة باغجلار شمال غربي اسطنبول، إن "مالك المستشفى مقترض باليورو ومداخيله بالليرة فيواجه كارثة، وخسر أكثر من ثلث فلوسه"، مستدركا "لكن معظم المستشفيات ستتعامل بالدولار".
وتتراوح أسعار الخدمات الطبية المعتمدة على مواد وتجهيزات تركية بين الثبات والنزول بخلاف المستوردة.
سوق التجارة
ويتوقع المشتغلون في التجارة بين تركيا والعراق أن ينتفع التجار العراقيون من أزمة الليرة وإن كانت تعاملاتهم بالدولار.
ويقول أركان عبد الأمير، صاحب مجموعة أركان للعرائس في منطقة عثمان بي أحد مراكز تجارة الملابس في اسطنبول: إن "تراجع الليرة خفض مدفوعات التجار العراقيين باسطنبول والمستحقات المترتبة عليهم بالليرة فقط. مثلا بعض الضرائب على مواد خام نستوردها من الصين ندفعها بالليرة، وكذلك الإيجار، وتأمين العمال الأتراك، كلها صارت أقل. عندي نحو 25 عامل تركي أدفع لكل واحد تأمين (سيكورتا) 450 ليرة بالشهر، وهذا المبلغ اللي كان قبل شهر يعادل 100 دولار هسه صار يعادل 70 دولار".
وينبه أركان إلى أن انخفاض الليرة دفع أعداد كبيرة من الناس إلى زيارة تركيا والتسوق منها وهذا يخدم التجار. ويضيف "حتى التاجر العراقي الصغير ينتفع الآن وطاير طيور. كانت سفرته لتركيا تكلفه 2500 دولار مثلا هسه تكلفه 1000. صار يصعد تاكسي ويدخل مطاعم راقية".
وفي المقابل يلفت التاجر العراقي إلى أن العمال الأتراك الذين يعملون لديه ولدى تجار آخرين يطالبون بزيادة أجورهم. ويردف "صعدنا أجور العمال من 500 ليرة مثلا إلى 800 ومن 1000 إلى 1300، ما عدا كبار العمال. عندي عامل يستلم كل شهر 10 آلاف ليرة".