يبدو أحمد عبد السلطان (37 عاما) سعيدا للغاية، وهو يراقب من بعيد، شارع السراي الذي نال حملة تطوير وتأهيل وإعادة صيانة، منحته حلة جديدة مبهرة من خلال ترميم المحور المحاذي لشارع المتنبي، الممتد من سوق السراي إلى جامع وساحة السفير ضمن مبادرة اطلق عليها "نبض بغداد".
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وتحقق هذا المشروع برعاية ودعم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزارة الثقافة وبدعم وتمويل من رابطة المصارف العراقية الخاصة، ويهدف لجعل هذا المحور مركزا سياحيا وتراثيا مهما مرتبطا بشارع المتنبي، وأتى ضمن المرحلة الثانية من مشروع تطوير مركز بغداد التاريخي بعد أن بدأت المرحلة الأولى بتأهيل شارع المتنبي.إعادة الحياة للأماكن التراثية
ويوضح أحمد الذي جلب عائلته للاحتفال بافتتاح الشارع، في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "إعادة تأهيل هذه المناطق التاريخية سيسهم بجذب المزيد من الزوار والسياح، مما يساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي".
ويقول في حديثه: إن "هذا الجانب من المدينة سوف يجعل مقتربات شارع المتنبي أكثر جمالا، ويضم أبنية ذات قيمة تراثية وتاريخية كبيرة، كما أن إعادة تأهيل المناطق التاريخية يجعلها أكثر جاذبية للسكان والزوار، ويعيد الحياة إلى الأماكن التي قد تكون مهملة أو غير مستغلة بشكل كامل".
خصوصية شارع السراي التراثية
ويقول المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة العراقية علي طارق، خلال حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "مبادرة نبض بغداد، انطلقت عند البدء بإعادة تأهيل شارع المتنبي، ثم حصلت الموافقات قبل سنة تقريبا على إعادة تأهيل شارع السراي وهو يحاذي المتنبي، ويضم أبنية تراثية تعود إلى العهد العثماني".
ويضيف طارق، أن "الفرق بين شارع المتنبي والسراي يكمن في حساسية المباني التراثية، إذ إن شارع المتنبي يحتوي عددا قليلا من المباني التراثية، بينما السراي يضم أغلبه مباني تراثية، لذلك تم التعامل معه بحرص شديد وبموافقة الهيئة العامة للآثار على جميع الخطوات الإنشائية والهندسية، بالإضافة إلى ذلك، تتميز المباني في السراي بخصوصية فريدة، حيث كانت سابقاً تابعة للقصر الحكومي ووزارة الداخلية ومباني متصرفية بغداد".
نقطة جذب للزائرين والسياح
ويكمل طارق حديثه بالقول: إن "المنطقة اليوم مهيأة لاستقبال الزوار، سواء كانوا عراقيين أو غيرهم وتحتاج إلى المزيد من العمل، وتم إعادة تأهيل الشوارع الرئيسية والاعتناء بالأماكن والفضاءات المفتوحة وتوفير الاستراحات ما يجعلها نقطة جذب للزائرين للسياح، حيث كان هدفنا من هذه المبادرة، إعادة الحياة لمدينة بغداد التاريخية، وتحويلها إلى داون تاون العاصمة؛ لما تمتلكه من تاريخ حافل".
ويعول علي على القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية لإحياء بقية المباني التراثية وتحويلها لملتقيات ثقافية وترفيهية تجذب أكبر عدد ممكن من الزوار، على أن تكون هذه المشاريع منظمة وتليق بهذه المنطقة التاريخية، وليس بشكل عشوائي، كما أكدت أمانة بغداد.
مشروع نفذ بأياد عراقية
ويتابع، "جميع الشركات التي ساهمت في المشروع عراقية، وتختص بالعمل والتعاون مع المباني التراثية، وحاليا نتجهز لمرحلة ثالثة من مشروع "نبض بغداد" في شارع الرشيد وقد بدأ العمل للتخطيط الأولي لهذا المشروع، ومن المتوقع أن يتم انطلاق الأعمال في منتصف تموز المقبل بعد الحصول على الموافقات اللازمة".
إعادة تأهيل 16 مبنى تراثياً
ويؤكد استشاري المشروع والمتحدث الرسمي عن تأهيل شارع السراي المعماري محمد الصوفي، خلال حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "المشروع ضم إعادة تأهيل 16 مبنى تراثيا، ويهدف للحفاظ على الواجهات والشارع والساحة في محور السراي، كما الأعمال الهندسية والإنشائية تضمنت إزالة التشوه البصري، مع تجديد جميع البنايات والأرضية، وتوحيد واجهات المحال، والقطع الإعلانية والبسطات، بالإضافة إلى جعل الكهرباء تحت الأرض، وتجهيز الشارع بالإنارة الحديثة"، لافتا إلى، أن "جميع الأعمال التي أدارتها الدائرة الهندسية للصندوق، حافظت على هوية الشارع دون المساس بتراثه العريق أو الشكل المعماري للمباني".
ويبين في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "المباني التي تمت إعادة تأهيلها، وتضمنت القشلة ومبنى وزارة الداخلية في العهد الملكي، ومجموعة مبانٍ منها متصرفية لواء بغداد، وأول دائرة بلدية في بغداد، وأول مجمع للأدباء سابقاً، وبوابة السراي المصممة على الطراز العباسي، ومديرية الأوقاف، والسجن، وشرطة السراي، وبيت فاروق الألماني، ومرقد السفير، بالإضافة إلى الوقف السني الذي عمل على جامع السليمانية".
الحفاظ على الهوية خلال عمليات الترميم
وتابع طارق حديثه بالقول: إنه "تم تحسين بيئة المباني، وأعيد ترميم الأجزاء المتهاوية أو الساقطة منها، من خلال اتباع توصيات القوانين العالمية للتراث مثل اليونسكو مع قانون الحفاظ على التراث العراقي، وتعاملنا مع هذه التوصيات بحذر شديد، واعتمدنا بعض الأحيان على الصور الفوتوغرافية القديمة ليكون الشكل المرمم مطابقاً للقديم، وعلى سبيل المثال، كانت متصرفية لواء بغداد على وشك الانهيار، لكنها الآن تبدو بكامل عنفوانها".
ويلفت الصوفي إلى، أن "500 مهندس وفني وعامل بينهم حرفيون من الأسطوات القدامى شاركوا بالمشروع، وقدمنا نصائح تتعلق بالتعامل مع عامل القدم والزمن، بدلاً من السعي للتجديد طالما أن المبنى مستقر، وأبرز مثال على ذلك هو متصرفية لواء بغداد، حيث أبقينا على النوافذ التي كان نصفها محروقاً، وتم ترميمها بطريقة تجمع بين القديم والحديث".
وتستمر أمانة بغداد في مشروع تطوير مركز العاصمة التاريخي الذي يشمل صيانة وترميم المباني التاريخية والمحاور التراثية؛ للمساعدة في الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة.
ويوم الأحد الماضي، أفتتح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، المرحلة الثانية من مشروع إعادة تأهيل مدينة بغداد القديمة. وقال رئيس الوزراء خلال كلمته بالمناسبة أن "العمل تمّ بأيادٍ عراقية، من خلال فريق تخصصي، اتجه إلى تطوير هذه المواقع المهمة التي تمثل قلب بغداد التاريخي، وجزءاً مهماً من تراثها السياسي والثقافي والاجتماعي"، مؤكدا "المضيّ في استكمال المشروع بمراحله الخمس، ضمن سعي الحكومة إلى رعاية هذا الملفّ ودعمه، وتعزيز ما يمثله من لمسة وهوية وطنية وتاريخية لمدينة بغداد".
كما بيّن رئيس مجلس الوزراء أن "هذه المنطقة بدأت تتحول فعلياً إلى قبلة للسائحين، ومنطقة ترفيهية لأهالي بغداد وزائريها"، مثنياً على "إسهام أمانة بغداد وتعاونها في إتمام المشروع مع باقي الوزارات المعنية، وديواني الوقفين، والبنك المركزي العراقي ورابطة المصارف العراقية، وما جرى تخصيصه من منافع اجتماعية لاستكمال المشروع"، مؤكداً "المضيّ في المرحلة الثالثة؛ من أجل منح مدينة بغداد صورة جديدة وناصعة تمثل تاريخها وتتلاءم مع سمعتها العالمية".