"كنت قرب باب المدرسة، أتحضر لإخراج ما تبقى من الطلبة، أراقبهم وهم يعبرون الشارع بشكل جماعي لحماية أنفسهم من خطره، لكني لم أتخيل أني أرى طلابي وهم يتقطعون أمامي تحت سيارة سريعة"، هذا ما قالته المعلمة "أ. ك" وهي تعيش أسوأ أيامها ويشاركها الشعب العراقي الحزن الكبير على فقدانهم لستة طلبة من مدرسة زينب الابتدائية في ناحية الهارثة/15 كم شمال البصرة، نتيجة تقدم أحد أصحاب الشاحنات الكبيرة ودهسه لأكثر من عشرين طالباً كانوا يحاولون عبور الشارع القريب من المدرسة بعد نهاية دوامهم الدراسي.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
المعلمة "أ. ك" كانت شاهدة على الفاجعة، وتروي لوكالة الأنباء العراقية (واع)، "ما جرى في تلك الساعة المشؤومة، إذ تقول: إن "هذا الشارع لطالما حمل الكثير من الحوادث المرورية للطلبة وعوائلهم بشكل فردي، فحاول الطلبة وعوائلهم إيجاد "حل" جماعي لهم، وهو خروجهم بشكل دفعات نحو الشارع، ظناً منهم أن هذا التجمع سيجعل أصحاب السيارات يرونهم بشكل أفضل، فلا يتمكنون من دهسهم".
وتضيف: "بعض الطلبة لا يستطيعون العبور لشدة خوفهم من الشارع، فيأتي ذووهم لنقلهم، أو الخروج بشكل جماعي ليكونوا مرئيين للسيارات، كما أن البعض الآخر يعبر بواسطة المعلمين، وكان ذلك اليوم، يوماً عادياً كغيره، حتى حلت الكارثة بلمح البصر لدرجة أني لم أعرف ماذا أفعل عند سماعي الصرخة الأولى".
عائلاتهم معهم
تقول المعلمة: إن "الكثير من التكهنات حاوطت وربطت حركة السائق بالحادث، وما رأيته بعيني هو أن السائق لم يعبر على الرصيف ثم دهس الصغار كما توضح بعض الوكالات والصفحات، كما لا يمكن التكهن بوضعه الجسدي من خلال السيارة، لكن ما كان مؤكداً هو أن الدهس حصل في منتصف الشارع أثناء عبور الطلبة".
وأردفت بالقول: "حاول السائق تلافي دهسه الطلبة فضرب مجموعة، وعند انقلاب السيارة ضرب مجموعة أخرى كانت تحاول الهرب، رأيت طلبتي وهم اصبحوا تحت السيارة، حيث صرخت لأن طلبتي الذين قمت فعلياً بتدريسهم منذ الأول الابتدائي حتى الخامس، استشهد اثنان منهم، والثالث تقطعت يده، والرابع بحالة حرجة".
وتبين، أن "إصابات لحقت بعوائل بعض الطلبة والذين كانوا قادمين لمساعدة الطلبة على العبور، حيث يتفقون على أن يصبحوا سداً لصغارهم بشكل يومي عند جهتي الشارعين، بما أن المكان خال من شرطة المرور".
وتضيف: "كنا بين فترة وأخرى نستقبل شرطياً، ثم يعود الشارع خالياً منه، كنت أريد مستقبلاً لهؤلاء الطلبة".
بعض الملامح لم تكن موجودة
وتوضح المعلمة "أ،ك"، أنها "هرعت لمساعدة طلبتها، بعضهم تعرفت عليهم من خلال أسمائهم المدونة في كتبهم وحقائبهم المدرسية، لأنها لم تر وجوههم فيما بعد"، لافتة، إلى أن "الأمر كان مفجعاً أن تحاول لمَّ أشلاء طلبتك، وتتصبغ بدمائهم وتحملهم بما يرتدون من قمصان كانوا يحاولون الحفاظ على نظافتها فامتلأت بأرواحهم، كان بعضهم صائماً، أخبروني ماذا سيتناولون على الإفطار، كنت أصرخ وأضغط على جسد أحدهم عسى أن يكون فاقداً للوعي ليس إلا"، موضحة، "كيف سأتمكن من الذهاب إلى المدرسة واتخيل وجوههم الملائكية الجامدة؟".
وحاولت "أ،ك" مع معلمين وأشخاص هرعوا لمكان الكارثة تغطية ما بقي من الطلبة -بقطعة قماش-، وتقول: "رأيت الكثير من الأشلاء المتطايرة، لم يكن مجرد دهس، كان تمزيقاً لشدة الصدمة، كنت مع أشخاص يحاولون تجميع الأشلاء ظناً منهم أنها قد تعيد أجساد الصغار كما كانت. وبدأوا فعلياً بوضع كل أشلاء في كيس على حده"، على بعد مسافة في السيارة وجدنا بقايا طلبتنا، أحذية، وكتب، وحقائب، وثياب، وشاهدت جسداً دون رأس، وعوائل قادمين يهرعون بجنون بحثاً عن أولادهم، ولم يجدوا منهم شيئاً".
كانت تتمنى التخرج
وتوضح المعلمة "أ، ك"، أنها "تحب طلبتها كثيراً، لدرجة أنهم حينما لا يقومون بتحضير الواجب المنزلي، لا تفعل شيئاً سوى أن تقول لهم "أنا زعلت منكم".
"إحدى الطالبات المحببات لقلبي، أخبرتها يومها أني زعلت عليها، وعدتني مباشرة بحل واجبها المدرسي ليوم غد، وجاء الغد من دونها، أشعر بأذى، كيف أخبرتها أني زعلت منها؟ كانت جميلة، طيبة، وتتمنى تحقيق أمنية والديها بالتخرج، وكانت في الرابع الابتدائي"، تكمل المعلمة حديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع) وتقول: "كل ما حدث، ما كان من المفترض أن يحدث لأي سبب من الأسباب".