حين يصبح العمل مسألة حسابية تبحث في قضية الربح، يتحول بلا شك إلى تجارة! هذا المصطلح غالباً ما يرافق أصحاب رؤوس الأموال ممن يضعون ما يملكونه من مبالغ في مشروع تجاري، كأن يكون مطعما أو مركز تجميل أو قاعة للرياضة أو بوتيك ملابس أو أو والقائمة تطول. ومع أن هذه المشاريع أعلاه ترتبط أيضا بصحة الانسان بشكلٍ أو بآخر، إلا أن أخطر وأهم عمل يرتبط كلياً بحياة البشرية، هو الطب!
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
نعم، فقد تحولت هذه المهنة للأسف في العقد الاخير وربما قبل ذلك بقليل، إلى تجارة بحتة، لا يعنيها ارواح الناس وحياتهم، قدر ما يعنيها المكاسب المتحصلة من هؤلاء ( المراجعين ).فالاطباء بشكل عام انخفضت نسبة الإنسانية من قواميسهم، وصار كل واحد منهم يتعاقد مع المختبرات والصيدليات عقداً (انسانيا) شعاره شيّلني واشيّلك، وبعبارة تجارية اكثر وضوحاً : فيد واستفيد!.
فالمريض ملزم شاء أم أبى، أن يجري اختبارا لصورة دمه ونسبة العناصر في جسمه واليوريا والكرياتين وفيتامين دي والكوليسترول و و و من التحليلات، والتي يشترط الكثير من الأطباء مع احتراماتي للقلة القليلة منهم، ان يجريها في المختبر الفلاني الذي يحدده الطبيب، فهو (لا يثق) بباقي المختبرات!
كما أن ( راجيتة الدواء يفترض أن يأتي بها المراجع من الصيدلية الفلانية ويعرضها على الطبيب للتأكد منها، وهي في حقيقة الأمر : التأكد من أن المريض اشترى دواءه من هذه الصيدلية! لأن نسب الارباح محفوظة على قدر عدد (الراچيتات) المصروفة!
واذا كانت القضية مرتبطة إلى حد ما مع غلاء الاسعار والسوق، وتحت ذريعة ان الطبيب هو انسان حاله حال الجميع، وهو بحاجة إلى توسيع نطاق أرباحه لأنه تعب ودرس وأمضى ستة اعوام (ينهل) من مشارب العلم و( يغوص) في دهاليز الجسم البشري، ليتقن حرفته ويعرف مكامن العلل كي يقوى على علاجها، فانه قبل كل هذا ووفق المنطق الحقيقي لهذه المهنة، قد أقسم ان يكون من وسائل رحمة الله، مسخراً كل رعايته الطبية للقريب والبعيد، وهذا ما جاء في بنود القسم، لذلك فانه مختلف عن باقي البشر إلى حد ما في ما يقدمه للناس، كونه يتعاطى مع حيواتهم لا مع ملابسهم وطعامهم وترفيههم.
قد يرى البعض أن مقالي هذا يظلم هؤلاء الاطباء والذين استثني منهم بعض الانقياء والمحافظين على شرف المهنة وانسانيتها، الا أنني أضع اصبعي على الجرح الغائر في نفوس اغلب المراجعين، الذين تنهكهم تكلفة العلاج وماي صاحبها من اشعات وسونرات وانتظار قاتل للدخول إلى الطبيب، و( بخل) الكثير من الأطباء الذين يستكثرون على المريض ابتسامة أو كلمة طيبة، ناسين أو متناسين انهم أولا واخيرا، لن يكونوا في ملوك عياداتهم، الا بوجود المرضى.
فمثل ما يحتاج المريض ان يزور الطبيب، فالاخير ايضا بحاجة له، ماديا ومعنويا، كونه العنصر الاهم والرئيسي في مهنته.
ولان المهن بشكل عام، بحاجة إلى قياسات السيطرة النوعية، وعلى اعتبار ان الطب هو مهنة من ضمن المهن، حتى وان اختلفت تفاصيلها، اصبح من الضروري ان تخضع لمشرط الرقيب، شرط ألا يكون رقيباً عادياً! لان (البضاعة) هنا هي الحياة، وما أثمنها بلا نقاش.
والرقابة يجب أن تنطلق من علمية دقيقة واشخاص يعدون أنموذجا للثقة والالتزام، وإلا جاءت النتائج باهتة لا طعم لها ورائحتها (تزكم الأنوف)!
خاصة أن الكثير من ( ممتهني ) الطب مؤخراً، صاروا يغيرون ويعدلون ويرممون الأشكال والاجسام، سواء من كان منهم أطباء تجميل للوجه أو نحت الجسم أو جراحو الجهاز الهضمي، الذين يقتطعون المعدة لمساعدة شرهوا الطعام بالكف عن اكل كميات مبالغ بها من الاكل
هذه العمليات التي جعلت من طبيب الاسنان على سبيل المثال لا الحصر، يعزف عن حشو الاسنان أو علاجها، لأنه استسهل عملية الزرع، هذا ان وجد وقتاً اصلا لانه منشغل بعمليات الحقن والفلر والبوتكس وما غيرها من مكملات التجميل والذي ان لم يستر الله فانها تصبح مكملات ( تقبيح)!
وارى بما لا يقبل الشك، ان مهنة الطب اليوم، بحاجة ماسة إلى اعادة النظر فيها بشتى الطرق واهمها لجان الرقابة النزيهة، ودورات التطوير والاطلاع على احدي المستجدات العلمية، لأنها وبعيدا عن التلميحات المباشرة أو غير المباشرة، تحولت إلى تجارة حقيقية وأصبح من يسعى لأن يصبح طبيباً، ينشغل بما سيجنيه من هذه المهنة والتي صارت بين عشية وضحاها، تجارة
للحياة.