النجف الأشرف - واع - حيدر فرمان
مرّ على عمر مهنة "المسحراتي" التي تبرز مع قدوم شهر رمضان المبارك وتنتهي مع تمامه، أكثر من 1000 عام، مهنة باتت لها رمزية فولوكلورية لدى الشعب العراقي، فعلى الرغم من دخولنا الألفية الثانية من الزمن، إلا أن مهنة المسحراتي لم يغب بريقها في شهر الله الفضيل .
المسحراتي فولوكلور رمضاني قبل أن يكون مهنة بمعنى الكلمة، ينطلق فيها عدة أشخاص يأخذون على عاتقهم إيقاظ النائمين وقت السحر، لكي تبدأ العوائل بالتحضير لوجبة السحور وإقامة العبادات التي تخص شهر رمضان المبارك والاستعداد لليوم التالي من الصيام .
(علي) شاب من مدينة الكوفة توارث هذه المهنة أباً عن جد، فهو في كل ليلة من رمضان المبارك، وفي ساعات متأخرة، يبدأ يجوب الأزقة والطرق والأحياء القريبة على محل سكنه، حاملاً الطبل ليبدأ بإيقاظ الناس عبر عبارات وجمل يرددها.
عدسة وكالة الأنباء العراقية (واع) تجولت مع (المسحراتي علي) في أزقة مدينة الكوفة، وفي مستهل حديثه قال: "نسمي هذه المهنة محلياً أبو طبيلة أو المسحراتي، والتي ورثناها أباً عن جد منذ 25 عاماً، كانوا أجدادي يمارسونها، وما زلت أمارسها من أجل كسب الثواب لإيقاظ سكان المنطقة النائمين وقت السحور".
أما الشاب (عمار) الذي يمارس مهنة المسحراتي ، فهو الآخر ما زال يعتز بهذا التراث العربي، فمنذ أن كان عمره 13 عاماً وحتى هذه اللحظة، يبدأ بجولته مع بعض أصدقائه أو أبناء عمومته حاملاً الطبل يجوب به شوارع الحي السكني الذي يسكن فيه، ومع أصدقائه يرددون عبارات "يا عباد الله، سحور يرحمكم الله" مع الدق على الطبل بشكل منتظم .
أما (الحاج قاسم)، رجل متوسط العمر من النجف الأشرف، فتحدث لنا عن هذا التراث الشعبي قائلاً: "سابقاً كان الناس ينامون مبكراً وخصوصاً في فصل الصيف، كنا نجتمع في جلسات سمر عائلية على أسطح المنازل، وبعدها ننام مبكراً، وكان المسحراتي هو الوحيد الذي يبقى ساهراً من أجل إيقاظ العوائل وقت السحور، لذلك كانت له نكهة خاصة لدينا".
ويضيف قاسم: "الآن ومع التطور ما زال هذا التراث الرمضاني يحافظ على مكانته في قلوب العراقيين، وعلى الرغم من أن العادات اختلفت نوعاً ما ويبقى الناس في سهر وجلسات سمر أو فترات عبادية في المساجد والمراقد المقدسة، لكن يبقى المسحراتي يجوب الأحياء السكنية لغرض الحفاظ على هذا الفولوكلور".
أما الشاب (مقتدى علي)، فيتحدث قائلاً: "منذ أن كنت صغيراً، كنت أسمع صوت الطبل يدق في مسامعنا مع أقوال لا زلت أحفظ كلماتها، ونحن اليوم ما زلنا لا نتسحر إلا عند سماعنا صوت المسحراتي عندما يمر أمام منزلنا".