ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ربما لم يكن الطيّار الأمريكي «آرون بوشنل» مدركا لمحتوى قوله «لن أكون متواطئا بعد الآن في الابادة الجماعية»، وهو يوقد النار في جسده أمام سفارة دولة الاحتلال في واشنطن، احتجاجا على الجرائم الانسانية التي ترتكب بحق المدنيين في غزة.إذ إن هذا القول وللوهلة الأولى تعبير عن الاحتجاج على ما مضى، خشية الوقوع في (ما بعد الآن..) على حد قوله، لينذر دون وعي باحتمالات وقوع ابادات أخرى وهذا ما يسميه البعض استمرار العملية العسكرية في غزة، وهو أيضا نذير أفعال يمكن أن تحدث دون وازع من ضمير أو اعتبار لما يقال، وما تروج له مؤسسات العولمة الثقافية بشأن حقوق الانسان، فضلا عن كون حرق الجسد هو آخر وسيلة يمكن أن يلجأ لها الانسان بعد يأسه من كل الوسائل التي يقال انها متاحة، فيسقط في قاع اليأس ويوقد النار ليصل بصوته إلى العالم، ويكون فعل الاحتجاج حد الارباك الذي يلجم الأفواه، وهذا ما أصاب المؤسسة الاعلامية العالمية، التي قوامها عديد وكالات الأنباء والمحطات الفضائية وأدوات العولمة الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني الدولية وسواها من التشكيلات، التي تغذيها أموال الشركات التي تحكم العالم وتقف من وراءها طائفة الواحد بالمئة، التي تتصدرها عائلة روتشيلد الصهيونية المتطرفة.
فهل وصلت رسالة بوشنل إلى العالم؟ فيأتي الجواب نعم وصلت رسالة بوشنل وفعلت فعلها، على الرغم من صمت الاعلام الذي تهيمن عليه الرساميل الصهيونية، ولكنها لن تبقى عالقة بأذهان الناس، لأن عنصر الزمن في ظل الاشتغال على غرائز الاستهلاك والشهوات كفيل بمحو آثار الأحداث مهما كان شكلها ومهما عظمت تأثيراتها على الناس، علاوة على أن ذاكرة الإنسان لا تميل لحفظ الذكريات المؤلمة، فما بالك بالذاكرة الجمعية التي تهيمن عليها مجموعة المؤثرات السمعية والبصرية وسلسلة الأحداث المحلية والكونية.
وقبل أن ننسى بوشنل الشاب ذا الخمسة والعشرين عاما، ونحن تحت تأثير ما يحدث اليوم وما سيحدث غدا، علينا أن نتذكر انه أوصى بـ»التبرع بمدخراته لصندوق مساعدة أطفال فلسطين» وهو لا يمت بصلة لهؤلاء الأطفال سوى انه انسان، ومن منطلق الانسانية هذه، التي ترتقي بالوجود البشري إلى حد الأمل في تغيير توجهات القوى التي تسعى للهيمنة نحو السلام والتعايش، لنقف اجلالا لهذه الروح الطاهرة التي لفتت أنظار العالم قبل انتقالها إلى الرفيق الأعلى إلى مقاربة انسانية بين الاحتجاج وحجم الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين يوميا، عبر قوله «ان احتجاجي هذا لن يكون كبيرا مقارنة بما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم» فيصرخ شرطي على باب السفارة «نحتاج إلى مطفأة حريق وليس مسدسا».