لم يعد خافياً على أحد، أن قضية الاستثمار ليست مسألة خاضعة لمنطق الاستفادة الجماهيرية! فحيز التنفيذ والشكل النهائي لأي مشروع استثماري، يدخل ضمن مساحات خاصة لا يمكن دخولها بسهولة حتى بالاحلام الا لذوي الدخل (اللا محدود)!. من هنا أرى أن عبارة (واطئة الكلفة)، التي باتت تطلق على المشاريع الاستثمارية الخاصة بالمجمعات السكنية، هي جملة فضفاضة غير واقعية، بل إنها بعيدة كل البعد عن القدرة الشرائية للمواطن الطبيعي أو ذي الدخل المحدود.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وأعود بالذاكرة إلى السنوات، التي امتدت منذ عام 1983 إن لم تخنِ الذاكرة، وهي السنوات التي تم فيها انشاء مجمعات الصالحية وشارع حيفا، والتي شهدت بناء أحياء أنيقة افترشتها عمارات سكنية خاضعة لشروط السلامة والأمان، احتوت على مدارس ومراكز صحية ومساحات خضراء وجمعيات الغرض منها، صيانة المجمعات ومتابعة ما تحتاجه في كل شاردة وواردة.وحتى لا يدخل النقاش في حيز لادخل لنا فيه، فما اتحدث عنه هو مشروع سكني استفاد منه (الموظف) البسيط ولا أقول الفقير، وأقول لا دخل لنا فيه في سياسة تلك الفترة، فالموضوع بعيدا كل البعد عن المقارنات (السياسية)، وأعتقد أن كلامي في غاية الوضوح.
مااردت ذكره من هذه الحكاية، هو ان الكثير الكثير من موظفي الدولة آنذاك، استطاعوا شراء شقق سكنية في تلك المجمعات، حتى أن واحدة من معارفي استطاع أهلها وأخوانها المتزوجون، شراء ما يقرب من الأربع شقق ليسكنوها، وأقصد أن عائلة متوسطة الدخل نجح أفرادها بامتلاك عدد من هذه المساحات السكنية.
في حين أن المجمعات السكنية، التي تفترش الأرض اليوم وتمتد بمساحات كبيرة الآن، والتي يفترض أن تكون متاحة لذوي الدخل المحدود، هي في حقيقتها استثمارات باهظة الثمن، بعيدة كل البعد عن أحلام الشباب ممن يخطون أولى خطواتهم في الحياة العملية، استثني منها بالكاد مجمع بسماية السكني، والذي يقدم وبصعوبة، فرصة شراء وحدة سكنية، لا تتجاوز أكبر مساحاتها 140 مترا مربعا في حدها الأقصى.
وأعود مرة أخرى لمزادات الاستثمارات، التي لا تضع شروطا أو على أقل تقدير، بعض الاستثناءات الحقيقية للموظف البسيط أو للشباب الذين يحلمون بامتلاك وحدة سكنية تكون أولى أساساتهم في الحياة.
وهذا لا نراه على ارض الواقع، لأن الهدف هو ارضاء المستثمر على حساب الفرد العراقي، وبالتالي نجد انفسنا أمام نظرية (تفرّج وتحسّر) فلا نحن محتفظون بالارض المنبسطة والبناء الافقي المنظم، ولا نحن قادرون على ارتقاء سلالم العمارات السكنية باهظة الثمن هذه.
وفي السياق ذاته وأمام نفس المتاهة، التي جعلت من هذه الاحلام شبه مستحيلة، تقف قضية الاقراض، السلف السكنية التي يمكنها حل الكثير من العراقيل المادية، لأن شرط وجود كفيل، هو الشرط الاكثر صعوبة، في حين ان حل هذه العقدة يكون في اتاحة فرصة الاقتراض مقابل حجز تلك الشقة لصالح الجهة المانحة للقرض، على أن يتم استرجاع سند الملكية لصالح مالك الشقة، حال الانتهاء من سداد دفعاتها.
الكثير من الحلول الاخرى متوفرة أو بشكل أدق، يمكن توفيرها لو كانت النوايا صادقة في مساعدة الشباب، وإلا ما كان حلماً، قد يتحول إلى كابوس يؤرق البعض (الكثير) من الشباب، ويجعل مسألة امتلاكهم لوحدة سكنية مهما كانت وكيفما كانت، ضرب من
الخيال.
الأرض واسعة والمساحات متوفرة بمجرد ما تتم خدمتها ومد أنابيب المياه واقامة البنى التحتية فيها، ليس من المهم ان تكون في وسط العاصمة، فالكثير من المساحات الفارغة متاحة في اطراف بغداد القريبة، كما أن الدولة قادرة ايضا أن تقدم التسهيلات ضمن المجمعات السكنية القريبة، كأن يتم فرز عدد من الشقق لتمليكها للشباب المتزوجين حديثا، اعتماداً على آلية حسابية مدروسة تخدم كلا الطرفين دون الضرر بأحدهما (المستثمر والمشتري).
انها دعوة صادقة لايجاد حلول عملية جادة، لاتاحة المجال امام الافراد ذوي الدخل المحدود والمتوسط لامتلاك وحدة سكنية ضمن مايقام في العاصمة من مجمعات سكنية، لا ان تبق هذه الاخيرة حكراً للاثرياء وذوي الدخل
اللامحدود.