ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
دائما نعود إلى الرسالة الشهيرة للملك فيصل الأول التي نشرت عام 1932 قبل وفاته بسنة. نعود إلى هذه الرسالة التي بدت خالدة دائما وأبدا لا لكي نقول إن الملك المؤسس كان على حق أو على باطل، بل لكي نزايد عليه في الإيغال في وصف خيباتنا وتعداد خسائرنا وكيل اللوم لأنفسنا حد التقريع.وفي الغالب لا نكتفي بذلك، بل نهرع إلى عالمنا الكبير في علم الاجتماع الراحل علي الوردي الذي زاد في ذبح شخصيتنا المتناقضة، المزدوجة، المتناشزة والتي فيها «كل عيوب الشرع» من وجهة نظره، حتى بدا ما قاله الوردي شبه مقدس لا يأتيه الباطل لا من بيد يديه ولا من خلفه.
ملخص رسالة الملك المؤسس فيصل إن العراقيين ليسوا شعبا بل تجمعت بشرية مشبعة بتقاليد وأباطيل دينية وسواه من الجلد المعدل لنا ونحن فرحون مستبشرون وكأن الملك الراحل قلدنا وساما.
أما الراحل الوردي فلن نستطيع التحرك خطوة واحدة دون الاعتماد عليه في جلدنا، حتى لو اشترينا باقة فجل ورشاد وكرفس، وسعرها ثلاثة بالف مطالبين البائع أن يجعلها 4 وحين لا يقبل نقوله.. «عراقي ماتصير لك جارة.. حقه علي الوردي».
في الغالب البائع لا يعرف علي الوردي ولم يسمع بالملك فيصل لكنه على الأكثر يعرف بريمر، بوصفه مؤسسا محايثا للدولة العراقية الجديدة بعد عام 2003.
وهنا المدخل الذي يضعنا دائما امام إشكالية التأسيس طبقا لرؤية الخارج لا الداخل وموقف أبناء الداخل من هذا الخارج. هذا الخارج بنسخته الانكليزية جاء أوائل القرن العشرين بصيغة الإنتداب بعد سنوات من مقولة الجنرال مود الشهيرة عام 1917 «جئنا محررين لا فاتحين». والخارج نفسه لكن بنسخته الأميركية أوائل القرن الحادي والعشرين هذه المرة جاء بعدة صيغ «البحث عن أسلحة الدمار الشامل، الخلاص من نظام صدام، الديمقراطية للعراقيين» لكن بريمر كان أكثر صراحة من مود عندما تصرف كحاكم بأمره بعد أن أعلنت بلاده إنها قوة إحتلال بعد شهر من دخول قواتها بغداد.
لكن ماذا عن مقاربة بناء الدولة طبقا للنسختين الإنكليزية والأميركية؟ خارج هاتين النسختين تجلى لنا موقفان غريبان تمثل الأول بمقاطعة شيعية للدولة العراقية بنسختها الإنكليزية أدت إلى تأخر دخول الشيعة في الدولة ومؤسساتها مع أن كبار علماء الشيعة آنذاك، هم الذين ذهبوا إلى شريف مكة الحسين بن علي طالبين أحد أنجاله ليكون ملكا على العراق وقد كان.
لكن هذا الملك الذي أراد بناء دولة قال فينا نحن العراقيين بعد عشر سنوات من توليه العرش وقبل سنة من وفاته ما لم يقل مالك في الخمرة.
وبعد عام 2003 حيث حل الأميركان محل البريطانيين لكن بمشورة ومساعدة منهم حصل العكس. ففيما تقدم الشيعة بوصف الغالبية من قادتهم الذين تولوا المناصب المهمة في الدولة كانوا جزءا من المعارضة ضد النظام السابق، فإن العرب السنة تأخروا لنفس السبب الذي دعا الشيعة أن يتأخروا قبلهم بنحو 80 عاما.
وفي كلتا الحالتين فإن تبادل الأدوار بين الشيعة والسنة على مدى قرن في محاولة بناء دولة كان ولا يزال سببا في عدم حسم إشكالية العلاقة المذهبية ـ العرقية مع الدولة وصولا إلى هوية وطنية جامعة لاتجعل من الدولة حقل تجارب كل مائة عام.. من العزلة مرة والانعزال مرة أخرى.