وزيران للخارجبية البريطانية أبديا اهتماماً مؤيداً للقضية الفلسطينية عبر عنه أولا، وزير الخارجية والمستعمرات الاسبق آرنست بيفن خلال المفاوضات العراقية – البريطانية في ميناء (بورتسموث) البريطاني، والتي عقدت في أوائل الثاني – يناير عام ،1948 وذلك بهدف تعديل اتفاقية العام 1930.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
اما الموقف الثاني فقد عبّر عنه وزير الخارجية البريطانية الحالي اللورد كاميرون في تصريحه الاخير المثير، الذي دعا فيه الدول الغربية الأوروبية وأميركا، إلى الاعلان عن اعترافها المسبق بالدولة الفلسطينية والسعي لإقامتها بالتفاوض حولها. وقد استقبلت دعوة كاميرون هذه بالتأييد الواسع أوروبياً وأميركياً إلى حد كبير. وجرى ويجري منذ الإعلان عن هذا الموقف مساع وحراك بريطاني أوروبي – عربي واميركي، من أجل البحث بأفضل السبل لتحقيق ذلك، اضافة إلى وقف الحرب في غزة. وقد اشرنا إلى بعض تفاصيل هذا الموقف في مقال سابق نشر في هذه الصحيفة، وأبدينا تقديرنا المتحفظ على صعوبة إنجازه، ما لم يتحقق ولو شبه اجماع أوروبي – اميركي دولي، وبدعم عربي فلسطيني لارغام اسرائيل على قبوله، وعدم عرقلته وممارسة ضغوط كبيرة على واشنطن، لتمارس هي ضغوطها الكبيرة والحاسمة لرضوخ اسرائيل.كان آرنست بيفن قبل ان تكلفه الحكومة البريطانية وزيراً للخارجية والمستعمرات من الجناح اليساري في حزب العمال وكان نائباً في البرلمان (مجلس العموم) ورئيس اتحاد نقابات العمال وقد تولى الوزارة ما بين 1945 حتى وفاته في 14 نيسان – ابريل عام 1951. وفضلاً عن تكليفه بالخارجية الذي مثل صدمة لـ (الوكالة اليهودية) الصهيونية ولليهود الصهاينة بوجه عام، لمعرفتهم به أنه عدو لدود للحركة الصهيونية، فإن هذا التكليف جاء بظروف معقدة ومضطربة للغاية، وذلك باحتدام الصراع الدموي الشديد بين الجماعات اليهودية – الصهيونية المسلحة من جهة، وبين الفلسطينيين المقاتلين ضد عنفهم وضد الهجرة والاستيطان من جهة اخرى.
وبسبب اتساع الهجمات العسكرية اليهودية ضد قوات الجيش البريطاني وضد عرب فلسطين أصدرت بريطانيا ما سمي بـ (الكتاب الابيض)، ضد الوكالة اليهودية تدين ارتكابها لأعمال ارهابية، وفي شهر نيسان ابريل أحالت بريطانيا الوضع في فلسطين إلى اميركا والامم المتحدة، التي شكلت لجنة (يونسكوب)، التي اقترحت تقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية ويهودية وقد اقرت الامم المتحدة الاقتراح بالقرار المرقم 181 الذي أعتبر بموجبه قرار التقسيم قراراً دولياً.. أعلن وزير الخارجية بيفن أن القوات البريطانية ستنسحب من فلسطين قريباً.
وبينما كانت الاوضاع الامنية والسياسية تتطور وبسرعة في فلسطين بدأت أوائل كانون الثاني – يناير المفاوضات العراقية – البريطانية لتعديل اتفاقية عام 1930 في ميناء (بورتسموث). وخلال المفاوضات حول صياغة جديدة لتلك المعاهدة، التي تمثلت بالابقاء على بعض الامتيازات لبريطانيا في العراق، تقدم الوفد العراقي بالعديد من الطلبات، التي كانت مثار جدل ونقاش، الأمر الذي دعا بيفن إلى مخاطبة الوفد العراقي بالقول (... انتبهوا إننا سننسحب من مواقعنا في فلسطين في شهر ايار – مايو 1948) فارسلوا جيشكم لاحتلال مواقع جيشنا البريطاني بفلسطين، فأجابه جبر وأيده الجمالي، لكن جيشنا لا يملك اسلحة تساعده على القتال فأجابهم بيفن سنرسل لكم الاسلحة المطلوبة لتسليح جيشكم، وفيما يتعلق بالفلسطينيين استجاب بيفن لطلب الوفد العراقي، منحنا خمسين الف بندقية ليتسلح بها الفلسطينيون، هذا اضافة لما ورد في المحاضر السرية التي نشرت لاحقاً عن المفاوضات بان بيفن والحكومة البريطانية قد وافقا على اشراف العراق عسكرياً وسياسياً على المناطق الفلسطينية المخصصة للفلسطينيين، وذلك في الوقت الذي كانت المواجهات المسلحة بين بعض الجيوش العربية والفلسطينيين من جهة، ومن جهة اخرى قوات الوكالة اليهودية، التي وحدها بنغوريون تحت مسمى (جيش الدفاع اليهودي)، وأصبح الإسرائيلي والتي تتألف من العصابات اليهودية الصهيونية الارهابية مثل : الآرغون، الهاجانا، شتيرن وغيرها من جماعات إرهابية مسلحة.
هذه الوعود والانجازات التي حققها الوفد المفاوض في بورتسموث، بقيت طي الكتمان كملاحق لم يتضمنها نص المعاهدة الذي تم التوقيع عليه في 15 كانون الثاني / يناير، وأرسلت مسودته الانكليزية إلى احمد مختار بابان سكرتير القصر الملكي، الذي نشرها في اليوم الثاني، دون الترجمة وقبل أن يطلع عليها القادة السياسيون والرأي العام. لكن جهات وصفها سياسيون وعبد الرزاق الحسني، فضلاً عن صالح جبر والجمالي ونوري السعيد بأنها يهودية صهيونية، تعمل بالخارجية البريطانية سربتها إلى يهود بريطانيين لهم علاقة بيهود عراقيين، عاملين داخل احزاب المعارضة، هم الذي حركوا الرأي العام الشعبي بالتظاهر ببغداد وعددٍ آخر من المحافظات أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والمصابين من المواطنين والأجهزة الأمنية، وسمي هذا الهياج الجماهيري بـ (الوثبة)، جراء التحريض الخاطئ للاحزاب للعواطف والمشاعر الوطنية للمشاركين بالوثبة، دون أن يعرف جميعهم أو غالبيتهم حقيقة ما جرى في مفاوضات واتفاقية بورتسموث، فتبددت بذلك جهود ومساعي الوزير البريطاني ارنست بيفن في مواقف لمصلحة القضية الفلسطينية والعراق في آن واحد بعد إلغاء المعاهدة.
لم تكن المواقف المؤيدة للفلسطينيين التي اتخذها الوزير آرنست بيفن ودفع حكومته لاصدار الكتاب الابيض الاول والثاني، بإدانة الأعمال الإرهابية للوكالة اليهودية والجماعات الارهابية المسلحة، هي التي دعتهم لمعاداته والتعبير العلني عن كرههم له، انما ايضاً لما كشفته وعود التي وعد بها الوفد العراقي المفاوض وابداء استعداده لتسليح الفلسطينيين والجيش العراقي وذلك خلال المفاوضات في بورتسموث، لا سيما ما يتعلق بما تضمنته الملاحق السرية لمسودة المعاهدة، التي سرب نصها الانكليزي في العراق وبعض الصحف البريطانية، وقد زاد كل ذلك من كراهية ومعاداة اليهود الصهاينه لارنست بيفن، حتى أن القبر الذي دفن فيه بـ ( دير ويست منستر) واجه كما يقال الاهمال من الحكومات البريطانية المتعاقبة، وربما بتأثير من اسرائيل ويهود بريطانيا، حتى يقال إنه عندما يمر نحو هذا القبر من اليهود الصهاينة يوجه اللعنات والشتائم لعدوهم اللدود بيفن.
ويمكن هنا التذكير ببعض ما جاء في كراهية بيفن ما قاله الحاخام « ستيفن وايز» : ( بأن ارنست بيفن هو عدو لدود للصهيونية وللعدالة البشرية)، وفي سنوات لاحقة قال عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي في تسعينيات القرن الماضي وأحد عرابي (اتفاق أوسلو عام 1993) شيمون بيريز ( إن حزب العمال: البريطاني، كان دائماً شديد العداء للصهيونية، وقد تم تعيين بيفن لوزارة الخارجية البريطانية، وكان شديد العداء للهيود ). اما « الفيلدمارشال مونتغمري « رئيس اركان الجيش البريطاني آنذاك قد ورد في مذكراته، إن هناك كمًا هائلًا من التقارير الصحفية، التي تثبت معارضة بيفن للمشروع الصهيوني، كما جاء في وصفه لمذابح العرب بيد اليهود، لذلك يقول مونتغمري، حين طلب من بيفن زيارته للاستفسار عن صحة ذلك، ثار لذلك بيفن على مونتغمري بالقول : ( إن ثلاثة وعشرين ألف عربي، قد ذبحوا في فلسطين، وهذا يعدُّ كارثة كبرى ومن واجب الجيش البريطاني أن يتدخل لوقف هذه المذابح.).
والسؤال الذي يطرح أخيراً، إذا كان كل هذا العداء والكراهية، التي يحملها اليهود الصهاينة وإسرائيل لآرنست بيفن، وربما لخلفه كاميرون ايضاً بعد تصريحاته الأخيرة.. فما هو موقف الفلسطينيين والعرب من هذين الوزيرين ومواقفهما؟ ألا يتطلب ذلك الثناء والتقدير لهما، والتذكير بمواقفهما لتشجيع الاخرين لاتخاذ مواقف جريئة مماثلة لصالح الفلسطينيين والعرب؟