ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
أجرى العراق بتاريخ 18 كانون الأول الماضي أول انتخابات لمجالس المحافظات بعد عشرة أعوام من التعطيل غير الدستوري.نجحت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بإقامة الانتخابات المحليَّة على رغم الخصومات والنزاعات السياسيّة الداخليّة التي كان محرّكو بعضها يريدون عرقلتها او تأجيلها لحسابات ضيّقة.
لقد أوفت حكومة السيد السوداني بتعهدها بإجراء الانتخابات التزاماً منها بالبرنامج والمنهاج الحكومي الذي صوّت عليه مجلس النواب العراقي وحصلت الحكومة الحالية في ضوئه على ثقة ممثلي الشعب في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. وتكمن أهمية الانتخابات في إحياء أصل دستوري ينصّ على حق المواطنين في المحافظات باختيار حكومتهم المحليّة كجزءٍ من مبدأ سلطة الشعب في تحديد خياراته السياسيّة.
إنّ إعادة إحياء مجالس المحافظات تمثل أوضح صورة من صور الديمقراطية المباشرة نظراً لصلة هذه المجالس المحلية بشكل لصيق بمصالح المواطنين في مدنهم وأحيائهم ومحل سكناهم. كما يمكن اعتبار إحياء انتخابات مجالس المحافظات بمثابة رسالة ثقة للمواطنين بأهمية مشاركتهم في انتخاب ممثليهم وتحديد مصيرهم على المستوى المحلي بعد عشرة أعوام من تغييب الارادة الشعبية في الحكم المحلي.
فضلاً عمّا ذكر، فإن إجراء انتخابات مجالس المحافظات حملت معها متغيرات مهمة تمثلت بإجراء ثاني انتخابات محلية في محافظة كركوك التي أدى الخلاف بين مكوناتها الى تعطيل هذا الاستحقاق الشعبي والدستوري منذ 2005.
فقد تسبّبت الخلافات بشأن أوزان مكونات المحافظة، لا سيما المطالبات الكرديّة المتكرّرة، أن يتم حرمان أهالي كركوك من تقرير مصيرهم فيما كان أخوتهم في المحافظات الأخرى ينتخبون مجالسهم خلال انتخابات أعوام 2009 و 2013.
إنَّ إصرار حكومة السوداني على إجراء انتخابات مجلس محافظة كركوك يعكس التزام رئيس الحكومة في ضمان حق أهالي كركوك في تقرير مصيرهم، وأيضا يؤكد عزمها بل نجاحها بتفكيك معركة الأوزان الاثنية في هذه المحافظة متعددة الأعراق والقوميات.
اذ لم نشهد خلال هذه الانتخابات الاستقطابات القومية التي اعتدنا مشاهدتها في أية انتخابات أخرى.
ولعب الانقسام والتنافس بين الحزبين الكرديين الكبيرين في اقناع المكوّن الكردي في كركوك بوزنه الحقيقي بعيداً عن مطالباته السابقة بربط اجراء الانتخابات بملف المادة 140 والتمسّك بشعار “كردستانية كركوك”.
كما يمكن الاشارة الى أجواء “الأمن الانتخابي” التي شهدتها الانتخابات الاخيرة باعتبارها عنصر قوّة في استحكام وترسيخ الاستقرار الامني والسياسي الذي يشهده العراق في ظل حكومة السوداني. فبالرغم من مقاطعة التيار الصدري ومحاولاته عرقلة او إلغاء الانتخابات المحلية، إلا أن الإجراءات الأمنيّة والفنيّة التي اتخذتها الحكومية منعت بروز خروقات امنية تعكّر صفو اجواء الانتخابات في يومي الاقتراع الخاص والاقتراع العام. ويمكن القول إنّ حكومة السوداني نجحت بإعادة هيبة الدولة وهيبة الأجهزة الأمنية، وان السوداني نجح خلال سنة من عمر ولايته بفرض نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة. وهذا ما انعكس بشكل جليّ في التحضيرات الأمنيّة، التي سبقت اجراء الانتخابات المحلية، والتي اسهمت في ان تكون الاولى من نوعها من جهة استتباب الأمن وعدم وجود خروقات أمنية منذ 2018. فلم تسجّل المحافظات التي كانت مسرحاً لداعش والتنظيمات الارهابية او المحافظات المختلطة أي نشاط ارهابي، عادة ما كان يكشف عن نفسه من خلال عمليات استهداف لمرشحين او مراكز انتخابية.
كما تميّزت انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة بإجراءات صارمة وحازمة للحيلولة دون تزوير او سرقة إرادة الناخبين. إذ يمكن اعتبار الانتخابات الأخيرة، الأولى من نوعها في العراق التي لم تشهد طعنا بنزاهتها او تشكيكا في نتائجها. اليوم وبعد أكثر من أسبوع من إجراء الانتخابات لم تسجل المفوضية العليا طعوناً بنتائج أي مركز انتخابي.
ويعزى ذلك للاجراءات الحكومية والبرلمانية التي حدّت من عمليات التزوير وشراء الاصوات التي كانت تشهدها الانتخابات الماضية بشكل واسع. فقد تم إبعاد مفوضية الانتخابات عن التأثيرات السياسية كما تم تعديل قانون الانتخابات ليحدّد نسب المشاركة ويحصرها بحاملي البطاقة البايومترية فقط. وهو ما منع ظاهرة شراء البطاقات العمياء المعتمدة في الانتخابات السابقة والتي كانت رائجة في الأعوام الماضية. لقد أسهم هذا التحديد بحصر حق الانتخاب بـ 17 مليون عراقي فقط من أصل 27 مليوناً، بلغوا سنّ الثامنة عشرة ويحق لهم الاقتراع والمشاركة.
إنَّ حصر الانتخاب بحاملي البطاقات الالكترونية كان خطوة ذكية ومسؤولة في الوقت نفسه لإنهاء بازار ساخنة كانت تنتعش في المواسم الانتخابية للمتاجرة بالبطاقات العمياء من أجل التلاعب بالأوزان الانتخابية وتزييف إرادة الناخبين.
لقد أسهم اعتماد البطاقة البايومترية الذكية في حماية ارادة الناخبين وافراز أوزان حقيقية للقوى السياسية المتنافسة في الانتخابات المحلية. وهذا ما يفسّر انعدام الطعن والتشكيك بالنتائج الذي يحدث لأول مرة في العراق.
من هنا فإن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية التي تقدر بين 41 - 45 % تعد نسبة جيدة جدا، وتعكس مشاركة مرتفعة في الانتخابات خلافاً لما يتم ترويجه من وجود مقاطعة واسعة. فالصحيح، بحسب المعطيات والاحصاءات، أن المقاطعة اقتصرت على جمهور تيار سياسي واحد فقط اختار بنفسه المقاطعة لحسابات خاصة به.
فنسبة المشاركة المرتفعة تم احتسابها من أصل العدد الكلي لحاملي البطاقات الذكية، كما ينصّ على ذلك قانون الانتخابات، وليس من أصل عدد البالغين لسنّ الثامنة عشرة سنة فما فوق. وبالعموم فإن إجراء الانتخابات المحلية عكس نجاحاً واضحا لحكومة السيد السوداني في الالتزام بتعهداتها القانونية، والتزامها في تعزيز الحياة الدستورية، وإصرارها على إحياء مبدأ دستوري يكرّس المشاركة السياسية في المستوى المحلي. كما يحسب لحكومة السيد السوداني أنها أجرت انتخابات آمنة من دون خروقات تذكر.
ويحسب للحكومة الحالية أنّها أجرت انتخابات هي الأكثر نزاهة وبعداً عن التشكيك بنتائجها.
إنّ الاستقرار السياسي الذي أعادته حكومة السوداني منذ أكثر من عام بدأ العراقيون يلمسون ثماره على شكل عودة الحياة الديمقراطية في المجال السياسي، وتسريع حركة الإعمار والبناء في المجال الخدماتي.