ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بعد شهر ونصف الشهر على بدء معركة «طوفان الأقصى» لا تزال المقاومة تمسك بزمام الأمور، تربك العدوّ، تشتّت صفوفه، تزعزع ثقة الجنود بالقيادة، تسجّل انتصارات ميدانيّة.ناهيك عن الصورة المتوهّجة للصمود الفلسطيني ودفاعه عن أرضه وقضيّته، في مقابل حالة الذلّ والانهيار التي تلاحق الصهاينة في المستعمرات والملاجئ والشوارع والمركبات والآليّات المدرّعة.
أرادت قوّات الاحتلال اجتثاث جذور المقاومة وترهيب الشعب عبر ارتكاب المجازر وتشريد من تبقّى منهم على قيد الحياة، لكن الميدان يقول عكس ذلك تمامًا؛ حركة المقاومة ليست مجرّد آلاف من المنتظمين في صفوفها، هي أبعد من ذلك بكثير، إنها كامنة في كلّ غصن زيتون وورقة ليمون، في مفاتيح البيوت العتيقة، ورنين أجراس كنيسة القيامة، في التكبيرات والصلوات الصادحة من حناجر الأطفال قبل الرجال، هي الحبل السرّي الذي يغذّي الأجنّة في الأرحام.
أمام عجز العدوّ عن تحقيق أهدافه العسكرية، لجأ إلى التشفّي والانتقام من المدنيين؛ يرتكب مجازر جماعيّة، يقصف المستشفيات ويحاصرها، يستهدف الإعلاميين، يقطع المياه والكهرباء عن القطاع محاولًا الضغط على الشعب الفلسطيني لتهجيره من شمال غزة إلى جنوبها، يستمرّ في تدمير المباني لتسوية الأرض قدر المستطاع أمام الآليّات العسكريّة.
لكن، على الرغم من همجيّته ووحشيته، يمكن القول إن الدائرة التي يتحرّك فيها تنحصر ضمن «القشرة الخارجيّة»، فالصواريخ والقذائف والمدرّعات عاجزة عن تحقيق أمرين:- على المستوى الأفقي: التقدّم البرّي بطيء، لقد حاولت قوّات الاحتلال الإسرائيلي الوصول إلى مستشفى الشفاء والمقرّات الحكوميّة، التفّت من الجهة الجنوبيّة الغربيّة لمخيّم الشاطئ ومن جهة الشرق، فضلًا عن محاولات التوغّل من الشمال عبر بيت لاهيا، ومن الشمال الشرقي عبر بيت حانون.
بيد أنّها وجدت آليّاتها تُحاصر في كمائن المقاومة، تتفحّم، وتتحوّل خردة!
- على المستوى العمودي: أخطأ الحلف الأميركي- الإسرائيلي في تقدير حسابات الأنفاق، أقحم نفسه في متاهات عندما وسّع رقعة أهدافه وعمّقها.
لقد أدرك منذ اليوم الأوّل للمعركة أنه في مواجهة قوّة محصّنة لا تثنيها المجازر ولا محاولات الإبادة الجماعيّة ولا التهديد العالمي عن النضال بالوتيرة نفسها وبالروح العالية عينها- كما في السّابع من أكتوبر- لا بل هي يومًا بعد يوم تفاجئه باستخدام أسلحة وكمائن جديدة.
وباعتراف الصهاينة أنفسهم، تتقن فنّ استدراجهم واصطيادهم.
يُذكر في هذا السياق ما أوردته صحيفة هآرتس عن معاناة لواء جفعاتي «بالكاد نراهم حرب أشباح».
أخفق العدوّ حتّى اليوم في اختراق منظومة حمّاس والقسّام والفصائل المقاوِمة.
مع «طوفان الأقصى» تبدّلت وظيفة الهيلكوبتر، غدت وسيلة لنقل جثث العدو وجرحاه.
ما تُحقّقه المقاومة يضاعف عدد نقاطها، ويؤلم الإسرائيلي والأميركي على حدّ سواء.
فهي تهاجم أهدافًا في داخل الأراضي المحتلّة وتدمّرها، قواعد أميركيّة في سوريا وفي العراق، مواقع عسكريّة على الحدود، مكرّسةً معادلة جديدة على قاعدة «الكلام للميدان»: إفراغ شمال غزّة يعادله إفراغ المستوطنات في شمال فلسطين.
في حين أن قوّات الاحتلال تخسر الكثير من النقاط أمام الرأي العام العالمي بارتكابها المجازر الجماعيّة، وتتراجع أسهمها أمام حلفائها بسبب عجزها عن تحقيق أيّ من أهدافها العسكريّة.
من النواتج المباشرة لاستمرار الحرب ارتقاء المزيد من الشهداء.
في المقابل، ثمّة نواتج أخرى تأتي في طليعتها إعادة القضية الفلسطينيّة إلى الواجهة، تظهير الصورة الحقيقيّة للإجرام الأميركي والإسرائيلي، التّأثير على الرأي العام العالمي والضغط على الحكومات الغربيّة، تفعيل المقاطعة، توحيد الجبهات الداخليّة، تحطيم الفكرة النمطيّة عن الكيان الإسرائيلي الذي لا يُقهَر.
كاتبة لبنانيّة