ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لا نعلم إن كان من حسن حظ العراق أم من سوء حظه، أن أهم التطورات التي حدثت على الصعيد التكنولوجي والرقمي قد ترافقت مع تحرره من سطوة نظام دكتاتوري غاشم، مارس أسوأ وأبشع أنواع التسلط.فمع الأيام الأولى لإسقاط النظام كان العالم يتحول رقمياً بسرعة مذهلة، وترافق هذا مع وفود وسائل تواصل تحولت معها البنيات السياسية والاجتماعية، وتغيرت معها وإلى الأبد سلوكيات وأنماط التواصل بين المجتمعات.
وفي ذروة أيام الانفلات الأمني والشد الطائفي، كانت هناك حسابات تدار من داخل العراق أو خارجه، تعمل على تغذية الكراهية والبغضاء بين الناس، وكان يكفي أن حساباً وهمياً يديره شخص مشبوه يطلق كذبة عن حدث ما، لتجد أن هذا الخبر ينتشر وتحدث بسببه ردات فعل غير محسوبة، وهو ما يؤدي أحياناً إلى حوادث طائفية. والشواهد على هذا الامر كثيرة وهي أكثر مما يمكن أن نحصيها، خصوصاً أن إرشيفنا الإعلامي ما زال يحتفظ بالكثير من هذه الشواهد. مضافاً إلى هذا، فإن فضاء وسائل التواصل الذي وضع معايير واشتراطات وقيودا على النشر، نجده يتساهل في الترويج لنظام دكتاتوري مثل نظام صدام، حتى أنك تكتشف كل يوم صفحات جديدة تعمل على محاولة تبييض وجه ذلك النظام البشع، من دون مراعاة للضحايا، الذين ما زالوا يعانون من جرائم ذلك النظام، لكن هذه الوسائل تمنع الترويج لتشكيل بطولي مثل الحشد الشعبي، الذي تطبق عليه معايير لا أخلاقية تخضع لسياسات
الممولين.
لكن أبشع وأسوأ صور التوحش والانحطاط الاخلاقي، هي تلك التي تستهدف المناسبات التي تحييها المكونات العراقية، فتجد مثلاً الكثير من الاشخاص يتجاوزون على الإيزديين والصابئة أيام احتفالاتهم. ويتصاعد هذا المد المتوحش بالذات في أيام الزيارات التي يحييها أبناء المكون الأكبر في العراق في ذكرى ولادات أو وفيات الأئمة (عليهم السلام). إذ تعمد الكثير من الحسابات الحقيقية وبعضها وهمي إلى اختلاق قصص مسيئة للزائرين، أو انهم يصمتون طوال أيام وأشهر، لكنهم ينطلقون بالنقد الجارح في أيام الزيارات. ولا يقف الامر عند التجاوز على العراقيين، بل يتعدى هذا التجاوز ليشمل ضيوف العراق من الزائرين، بين من يدعو لطردهم، وآخر يدعو لقتلهم، وثالث يتشمت بموتهم حين تحصل لهم حادثة. وهي أمور لا تعكس قطعاً أخلاق العراقيين المعروفين بكرمهم ومروءتهم، بل هي سلوكيات مشوهة لا تمت للعراقيين بصلة. فضلاً عن هذا، فهي تقع في إطار حرب مستمرة ضد العراق، تحاول أن تجعله بيئة مشوهة وغير مستقرة وتنبع منها موجات الكراهية، وهذا قطعاً يؤثر في محاولات العراق لجذب السواح والاستثمارات وبث الصور الايجابية عنه.
لذلك فإن الجميع مدعو اليوم للوقوف بوجه خطابات الكراهية المتوحشة التي تنطلق من حسابات في العراق، وهي مسؤولية أخلاقية واجتماعية وقانونية يجب عدم التهاون
معها.