ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
يسأل البعض ما الذي يمنع اللبنانيّين من الانتفاض على واقعهم ويبقيهم في خانة المراقب لما يحصل من دون أن يحرّكوا ساكنًا، هل يكون السبب هو الخوف من الخروج على طاعة" وليّ نعمتهم"؟ أم اضطراب ما بعد الصدمة؟لا يخلو تاريخ لبنان من مفاصل موجعة، لكن ما حدث في السنوات الثلاث الأخيرة كان شديد الوطأة إلى حد صعب، لا بل استحال على السواد الأعظم تحمله والتأقلم
معه.
ولعل ذلك يعود إلى أسباب منها ما يخصّ المجتمع اللبناني، وأخرى تتعلق بطبيعة الأزمة الاقتصاديّة التي لا تنفك تتضخم، فلا يكاد المواطن يلتقط أنفاسه، حتى يجد نفسه في العميق من أتونها.
وكلما احترقت طبقة من جلده، جُدد ليسلخ بسياط الدولار والصحة والدواء والاستشفاء... حصل التراجع على كافّة المستويات بشكل متسارع ما أفقد الفرد القدرة على السيطرة، فمن جهة، لم يكن قد تدرّب على كيفيّة التعامل مع النكسات الاقتصاديّة (وهو المحترف في فنون العيش) ومن جهة ثانية، يمكن القول، إنه يتحمل جزءًا من المسؤوليّة كونه غير مستعد للتعاطي مع المتغيّرات التي تواجه الانحدار الحاصل على الصعيد الاقتصادي وفي الميزان التجاري وانهيار العملة الوطنيّة.
ثمة مَن لا يريد الاستيقاظ من" الغفلة"، ويصرّ على متابعة الحياة، وكأن الزمن ما زال مسمرا عند العام 2019.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لم تنحصر ضمن دائرة المتضرّرين من انفجار المرفأ في بيروت، بل اتسعت لتطاول الناقورة جنوبا ورأس الشقعة شمالا.
الأحداث الصادمة وتداعياتها الخطيرة ونتائجها السلبيّة اجتاحت معظم البيوت، ولا تزال ترخي بظلالها على مشاهد الحياة اليوميّة التي فقدت معناها، فهي لم توفر مراهقًا ولا كهلا؛ الأطفال يشيبون قبل مرحلة الحضانة، أثرت على رؤيتهم إلى الحياة، وبدلت نظرتهم إلى أنفسهم، وجعلتهم يفقدون الثقة في مَن حولهم.
في المحصلة، غالبيّة الشعب اللبناني يتعرّض بشكل ممنهج ومتكرّر إلى أزمات تفرز المزيد من الاضطراب والقلق والخوف والتوتر والغضب، وتأخذه إلى منحى سلبي، ليس صداميًّا مع السلطة، على الرغم من أن هذه الأخيرة تجهد لهيكلته في موقع العجز، والتهميش، وإقصاء أيّ أداة يمكن استخدامها لاسترجاع بناء الدولة.
يعد ذلك إنجازا بحد ذاته لأيّ نظام قمعي يدعي الديمقراطيّة، لكنه، في الواقع، يمارس العنف المقنع، يتفنن في تطويع رعيّة مقهورة، لا ترى في الرضوخ مذلة، ولا في التخلي عن الحقوق مهانة، جماعة مصابة بداء الطاعة العمياء، وأخرى باضطراب ما بعد الصدمة" الممتد" إن صحّ التعبير، كونها سلسلة متلاحقة محكمة الحلقات.
لا يمكن الحديث عن التغيير في ظل وجود شريحة واسعة لا تزال" تؤمن" أن خلاصها رهن بالزمرة الحاكمة ولا تحيد عن هذا
الاعتقاد.
ومع كل هزة اقتصاديّة أو سياسيّة، تمعن تشبّثا بخشبة خلاص هي نفسها أغرقتْهم في مستنقع الذل والفساد.
*كاتبة لبنانيّة