في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدراماتيكية، وغير التقليدية التي مّر ويمرُّ بها العراق اليوم، فإن الواقع يَفرض علينا أن نبحث عن أساليب ومعالجات أيضاً غير تقليدية لمواجهة هذا الواقع المرير.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ومن تلك الأساليب والمعالجات هي إيجاد البيئة الملائمة، التي تساعد على تجاوز المطبات الكثيرة، التي كانت ولا تزال تحول تقدم عجلة التنمية في البلاد، ولعل أبرزها يكمن في الكيفية التي يتم بموجبها وضع الآليات والخطط الستراتيجية المدروسة لاستحداث تنمية شاملة ومستدامة، تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في البلاد، وهذه الموارد كما هو معروف، هي من الغنى والتكامل، بحيث لها القدرة والقابلية على تلبية متطلبات واحتياجات البلاد والعباد عموماً الآن وفي المستقبل، إذا ما أُستُغلت بالشكل الأمثل.وهذا الطرح الموضوعي يفترض أن ينسجم مع التوجه الحكومي الهادف إلى إنشاء صندوق خاص للتنمية.
ومن المقرر تضمين قانون الموازنة القادم مشروع إنشاء هذا الصندوق، حيث سيتم تمويله من استقطاع نسبة من إيرادات النفط، ومنه تتفرع صناديق تخصصية للسكن، والتربية، والصحة وغيرها، حسب ما طرح مؤخراً.
كما أن هذا التوجه ينسجم بدوره أيضاً مع شعار الإصلاح، والذي يرفعه اليوم أكثر من طرف وجهة سياسية، بهدف الوصول إلى تنمية شاملة.
وهذا يتطلب وضع برنامج دقيق وواضح، والى تحديد سقف زمني لذلك، إضافة إلى ترتيب وتحديد الأولويات.
كما أن مضامين البرنامج الإصلاحي يجب أن يؤكد إعلان الحرب ضد الفساد، بجميع أشكاله وأنواعه، وفتح الملفات المشبوهة، وتقييم السلوكيات، والسعي إلى تعزيز الثقة بمؤسسات الدولة، وصولاً إلى مرحلة التكامل في الإصلاح.
وهذه المرحلة بحاجة أيضاً إلى ستراتيجبة وطنية لتمرير عملية الإصلاح الشامل، تشترك بها جميع مؤسسات ودوائر الدولة المختلفة، وكل الجهات المعنية، فالمسؤولية في هذا الجانب لا يمكن حصرها بجهة معينة، بل هي مسؤولية وطنية
تضامنية.
وهنا علينا الاستفادة من تجارب الآخرين، ولا سيما البلدان التي مرّت بظروف مماثلة كتلك التي مّر بها العراق، فمن خلال الإطلاع على تلك التجارب نجد أن هذه البلدان لم تتمكن الخروج من كبوتها، إلا بعد أن تضافرت جهود أبنائها وخلصت نواياهم، والتفَّ الجميع حول المشتركات والثوابت الوطنية.
وقد تطلب ذلك وضع آليات وخطط مُبتكرة لإحداث تنمية شاملة ومستدامة، وفي مقدمة ذلك النهوض بالبنى التحتية، لما تشكله من أهمية كبيرة في الحياة المعاصرة، لكونها أحد الأركان الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولما تقوم به من ربط محكم ما بين الموارد الاقتصادية والهياكل الإنتاجية، ما يؤدي إلى تعزيز دور الأنشطة الاقتصادية واتساع آفاقها وتنويعها.
وتمثل هذه العملية الخطوة الأولى على طريق استحداث تنمية مستدامة، تحتاجها البلدان التي تعرضت إلى كوارث الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية.
ان ما نود التأكيد عليه هو أننا بحاجة إلى اتباع جميع الأساليب والطرق للوصول إلى مفهوم التنمية الشاملة، وهو ما بات يعرف اليوم بالتنمية المستدامة، وهذا المفهوم من المفاهيم المستحدثة نسبياً في المعالجات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
وتهدف التنمية المستدامة إلى وضع الخطط الكفيلة بتحسين الظروف المعاشية لجميع الناس، والقضاء على الفقر، وكذلك تجنب إخفاقات المرحلة السابقة، من خلال التشجيع على إتباع أنماط وأساليب مبتكرة، فالاستدامة الاقتصادية تهدف إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية والنمو، وتوفير فرص العمل في القطاع الرسمي.
وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى دعم المشاريع الصغيرة، وخلق الوظائف للأغلبية الفقيرة في القطاع الخاص.
ونعتقد أن العراق كبلد قادر على تلبية شروط التنمية المستدامة، بفعل ما يمتلكه من مقومات اقتصادية هائلة، وثروات معدنية متعددة، وموارد بشرية كبيرة.