ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
كلنا نعرف ونعترف أن لدينا مشكلة بالصناعة الوطنية والزراعة الوطنية والكهرباء الوطنية. الكهرباء صارت «مناصف» مرة وطنية ومرة سحب. أما الصناعة والزراعة فقصتهما قصة «مشربكة»، المبررات دائما جاهزة بعضها صحيح وبعضها الآخر، له أسباب وعوامل أخرى، جزء منها متداخل بين الفساد وسوء الإدارة والتخطيط وعدم وجود منهجية سليمة في التعامل مع ملف الأمن الغذائي، الذي بات جزءاً من الأمن القومي بكل تفرعاته وتفاصيله وهي كثيرة ومتشعبة. لكي لا أطيل عليكم وأتشعب بـ «التنظير»، سوف أدخل في صلب الموضوع. عنوان المقال «بالشتاء صنعنا اللبن» يحيل بالضرورة إلى المثل المشهور «بالصيف ضيعت اللبن» مما يحتاج إلى فك الاشتباك بين العنوانين.مؤخرا قرأت خبرا أفرحني و»ضوجني» في الوقت نفسه. الخبر هو ما أعلنته وزارة الصناعة نقلا عن مصانع ألبان أبو غريب التابعة للشركة العامة للمنتجات الغذائية، وهي إحدى شركات الوزارة، بأن مصانع ألبان أبو غريب عادت إلى العمل بوتيرة عالية وجهود وكفاءات عراقية، بحيث أن الطاقة الإنتاجية من الألبان تصل إلى 15 طنا يوميا. وبينما لا يسعني القول الإ «رحمة من العزيز الجليل» لجهة إمكانية تصنيع اللبن ومشتقاته وطنيا، بدلا من إستيراده من دول الجوار العزيزة، فإنني في الوقت الذي أتمنى كما يتمنى السيد مدير المعمل بأن نحقق على أرض الواقع الشعار الذي إفتقدناه وهو «صنع في العراق»، لكني من جانب آخر أقول هل من واجبات الدولة صناعة الجبن المطبوخ بالعلب البلاستيكية واللبن بأنواعه الرائب وأبو الكشوة والشنينة، إضافة إلى مُنتجات القشطة والزبد والدهن الحر؟. هذا ما يقوله نص الخبر الرسمي وليس أنا بالطبع.
إنني وفي الوقت الذي أشد على أيدي العاملين في مصانع البان أبوغريب بزيادة الإنتاج كماً ونوعاً، لكني من جهة أخرى أنظر إلى الموضوع من الزاوية الأهم وهي هوية الدولة الاقتصادية، هل هي اشتراكية تنحو منحى القطاع العام في الإنتاج والتسويق والرعاية، أم دولة إقتصاد سوق؟ حتى الآن هوية دولتنا بعد عام 2003 ضائعة بين الاشتراكي والخاص، حالها حال ضياع هويتنا الوطنية. أذكر في السبعينات وفي ذروة نشاط الدولة الاشتراكي والقطاع العام آنذاك أنشأت الدولة ما سمي بمزارع الدولة. فماذا كانت النتيجة؟ مزرعة الدولة عبارة عن دائرة فيها شعب وأقسام وصيانة وسيارات وموظفون ودوام وكتابنا وكتابكم، بينما إلى جنبها مزرعة خاصة لفلاح بسيط مع عائلته وكم رأس بقر وغنم. في نهاية كل موسم تخسر مزرعة الدولة ويجري تعويض الخسارة من موارد النفط، بينما يربح المزارع البسيط بحيث يشتري جرار عنتر أو بيكاب أو ربما يغير أثاث بيته. أضرب هذا المثل الواقعي لكي أوضح مخاطر انشغال الدولة بصناعة اللبن، بينما تستطيع 5 عجائز من قضاء أبو غريب نفسه صناعة لبن أبو الكشوة وقيمر أفضل بكثير من مصنع وموظفين وبصمة و.. قله بالغ.