ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
نادرا ما أخرج معاينا أحياء مدينتي، لأنني أعلم أن ما سوف أراه لن يكون مفرحاً، إذ لم أسمع لحد الآن أي خبر يشير إلى إنشاء مصنع أو بناء ملعب أو مسرح أو مطار أو تشييد عمارة أو مشفى.. الخ، فعدى صبغ بناية وإكساء طريق هنا و طريق هناك، ليس هناك في الأخبار ما يثلج الصدر أو ينعش النفس، بل على العكس، هناك ما يؤلم ويحزن ويثير الشجن والأسى، بما يردنا بين مدة وأخرى من الأخبار الحزينة المؤلمة، عن مواجهات وصدامات، أطرافها أخوة وأقارب وجيران وأصدقاء وأبناء بلد واحد، هذا تحت صفة متظاهر، وذاك تحت صفة رجل أمن، هذا يطالب بحق له، وذاك يؤدي واجبه في ضمان الأمن والاستقرار للمدينة، والنتيجة شهداء وجرحى ومعاقون وآلام وحزن.إنَّ من الغريب أن يحصل مثل هذا في محافظات كمحافظات الجنوب، تملك موارد ضخمة، سواء أ كانت الموارد المعدنية، أي النفط والغاز التي توفر القسم الأكبر من موارد الميزانية العراقية، أم الموارد الزراعية والسياحية، إذ تضم هذه المحافظات أراضي خصبة ومياها وفيرة يمكن استغلالها في تطوير الإنتاج الزراعي وتربية الحيوانات، فضلا عن عما تضمه من إمكانات سياحية كبيرة تتمثل بوجود العشرات من المواقع الأثرية المهمة العائدة للحضارة الرافدية، أولى الحضارات البشرية الناضجة، وهي مواقع جرى ضمها للتراث العالمي لأهميتها الكبيرة في مسار التاريخ البشري، ولا ننسى الأهوار وأهميتها السياحية التي لا تضاهيها أي أهمية أخرى.
لقد كتبت مقالات عدة عن حاجة محافظات الجنوب، أي ذي قار وميسان وواسط والسماوة والبصرة، لحملة إعمار كبرى، تخرجها من واقعها البائس إلى واقع رحب، يمهد السبيل لها لتكون في مصاف المحافظات الأخرى من ناحية الإعمار والخدمات ووجود المشاريع الأستثمارية، التي تحرك سوق العمل وتسهم في القضاء على البطالة، فمن دون خطة إعمار شاملة وكبيرة وضخمة، لا يمكن تغيير واقع هذه المحافظات التي عانت طويلا من الإهمال وعدم الاستقرار، فضلا عن التأخر الاقتصادي والاجتماعي، الذي خلق ندوبا في نفوس الناس وصنع واقعا مأزوما منتجا للصراعات
والتناحرات.
لكن للأسف ما زال الطريق طويلا لتحقيق هذا الأمر، لأن الظروف في العراق ليست مواتية لتوقع شيء من قبيل قيام ثورة إعمار وخدمات ومشاريع استثمارية وتطويرية، لكن هذا لا يمنعنا من الاستمرار في المطالبة بهذا الأمر، ولعل ما يشجعنا على ذلك هو الاستجابة لبعض المطالب في السنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد
انتفاضة تشرين، و ما صندوق إعمار ذي قار إلا دليلٌ على ما يمكن للمطالبة المستمرة ان تحققه من ضمان الحقوق وتحقيق المطالب، ومن تلك المطالب: إعمار الجنوب وضمان حاجته من المشاريع الاستثمارية والخدمية والتطويرية.