يبدو أن العالم، قد أحسَّ بفداحة الخسارة الكبيرة التي تكبدها خلال العقود الثلاثة الماضية، نتيجة تلاشي الأقطاب المتعددة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.ولكن وكما يقال، إن دوام الحال من المحال، فقد بدأ العالم يشهد بروز اقطاب جديدة، نجحت في زيادة منسوب القلق في واشنطن، المتحكمة بزوايا القوة
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
والإشارة هنا تذهب باتجاه موسكو وبكين، فقد بدأت الصين تخطو خطوات سريعة ومهمة للإمساك بلجام الحصان الاقتصادي، وليس بعيدا عنها، تشير المعطيات إلى صحوة روسية مخيفة، ناهيكم عن تنامي قدرات بعض بلدان الشرق الاوسط، لا سيما تلك التي تتحكم بمصادر الطاقة، أو التي تسيطر على خطوط امدادات الطاقة في العالم.وقطعا أن عودة العالم إلى محاور الصراع والتنافس الحاد، يدفع الاقطاب المتصارعة، إلى البحث عن وسيلة أو طريق، يمكّنها من الاستحواذ على أكبر نسبة من المصالح خارج حدودها، ويشتد هذا التنافس، ليبلغ مداه، في منطقة الشرق الأوسط، ومياهها الدافئة، لكونها تمثل المكمن الاكبر للطاقة في العالم.
وقد لايختلف اثنان، في أن الصراع والتنافس الحاد بين الشرق والغرب، هو الذي دفع زعيمي اقوى دولتين في عالمنا الراهن، وهما أميركا وروسيا، إلى المجيء إلى منطقة الشرق الأوسط، والمشاركة في قمتين متزامنتين عُقدتا بجدّة وطهران، في محاولة من الطرفين، إلى اثبات قوة علاقته ببلدان المنطقة، وأنه الاكثر تأثيرا من منافسه على هذه الدول، ذات المكامن النفطية
الهائلة.
في قمة جدّة التي شاركت فيها السعودية والبحرين وقطر والكويت وعُمان والاردن ومصر، وأميركا، كان العراق حاضرا بقوة، وحظي هذا الحضور باهتمام باقي الزعماء المشاركين، بينما كان العراق غائبا تماما في قمة طهران، التي شارك فيها زعماء روسيا وتركيا وايران.
وبصرف النظر عن النتائج التي خرجت بها القمتان، وبعيدا عن النتائج والتداعيات، فإن العراق بات يمتلك فرصة جيدة، في استثمار التنافس والصراع المشتد بين الشرق والغرب، هذا الصراع الذي يأتي في ظل الحرب الروسية- الاوكرانية، التي تؤكد بوضوح أن أوروبا الحليفة لواشنطن المناوئة لموسكو، تنتظر شتاءً ربما سيكون الاقسى في ظل توقف امدادات الغاز والنفط والقمح الروسي إلى تلك البلدان، هذا التوقف ينذر بارتفاع غير مسبوق لأسعار الطاقة والغذاء، وفي المقابل فإن روسيا هي الاخرى لن يكون وضعها هينا، فهي تقف بمواجهة عقوبات اقتصادية قاسية من اخواتها بلدان أوروبا الغربية، في وقت تتواصل رحى الحرب مع أوكرانيا، وبالتالي فإن ظروفا قاسية مثل هذه التي يواجهها الشرق والغرب، تمثل فرصة لدول الشرق الاوسط، ومثل هذه الفرصة، تستدعي من هذه الدول أن لا تذهب إلى الطرف القصي من العصا، فمثل هذا التطرف في الموقف سيفقدها العصا نفسها، إنما ينبغي أن تكون لديها سياسة متوازنة تحافظ من خلالها على علاقات مصالح مشتركة مع المحورين، من دون أن ننسى الصين، القوة الاقتصادية الصاعدة بثقة، وهنا أتحدث عن علاقات العراق مع تلك المحاور، فعدم دعوته للمشاركة في قمة طهران، لا يعني، أن الدول الثلاث (روسيا- تركيا- ايران) يمكنها أن تتجاهل العراق، ودوره المحوري، وقوته الجيوسياسية والاقتصادية، على مستوى المنطقة والعالم، وفي هذا السياق، يمكن للعراق أن يؤدي دورا مهما في التقريب بين وجهات نظر المحورين، عبر إذابة الثلوج المتراكمة على ملف العلاقات السعودية- الايرانية، الدولتين الأكثر وضوحا في تبني سياسة المحاور، وكلاهما جاران مؤثران في المشهدين العراقي
والدولي.
خلاصة القول، إن المصالح هي الحاكمة في العلاقات الدولية، ومن اجلها تُعقد القمم على أعلى المستويات، حتى وإن لم تحقق تلك القمم أي نتائج او قرارات، فاللقاء والسلام والكلمة والصورة، كلها حوامل لتعزيز العلاقات.