كثيرا ما نجد ونرى استخدامات للمياه الصالحة بغير موضعها الذي وجدت من أجله. أنها وجدت للاستخدام في البيوت والمعامل والمصانع، وليس في تكوين بحيرات في الشوارع كهدر مقصود ودون رفة جفن أو حرقة قلب، لأن الصنابير تصبّ بغير وجع قلب.. وهذا الصنف من الناس هو نفسه الذي يستخدمها بطريقة التبذيرعلى طول الوقت، دون رادع أو مسؤولية، ما يؤدي دون علمهم بأن هذه الثروة الوطنية والنعمة الإلهيّة، قد لا نجدها في يوم من الأيام وقتها لا ينفع الندم.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ولكن قلة الوعي والتصرف غير المدروس وانعدام التوجيهات وفقدان الرغبة في الترشيد، أدت إلى هذا الاسراف والتبذير والبذخ والتبديد، الذي لا يمكن السكوت عنه في هذه الظروف العصيبة، ونحن نرى أن المياه في كل دول العالم تمر بمرحلة حرجة لأسباب كثيرة، منها سياسية ومنها ما يمت بصلة إلى عوامل تغير المناخ والاحتباس
الحراري.
وفي بعض الأماكن نرى أن المياه الصالحة للاستخدام البشري، تخرج من الأرض كينابيع جوفية بسبب تهرئ وتهالك الانابيب الناقلة لها، لقدمها وندرة أو قلة الصيانة عليها، أو بسبب أعمال الحفريات، التي تجري دون مخططات مسبقة، لوجود أنابيب تحت الأرض المقصودة، فيؤدي إلى تسرب المياه بكميات هائلة وضياعها هدرا، من دون الاستفادة منها. وأعتقد أن المفاجآت كثيرة في هذه الايام في ما يخص ندرة المياه أو فقدانها.
وقد أصابتنا المفاجأة والذهول والألم، حين سمعنا ورأينا جفاف بحيرة ساوة، وهي معجزة جيولوجية وبايولوجية منذ القدم، ويقال إنها من عصور ما قبل التاريخ.. إنها بحيرة مغلقة على نفسها، طالما زرناها كمعلم سياحي تقع في صحراء محافظة المثنى.
ويقول الخبراء بأن اختفاء البحيرة بسبب تغير المناخ والاحتباس الحراري، رغم أنها لا تأخذ مياهها من نهر الفرات القريب منها، إنما من ينابيع المياه الجوفية من تحت الارض.
وهذا النموذج كافٍ لأن نعلم وندرك بأن مستقبل المياه، سيكون صعبا ولا يمكن التكهن به.
ان الحفاظ على هذه الثروة الوطنية الثمينة من مسؤولية المواطن وتقع على عاتقه، باعتباره هو المستفيد الأول منها، وعليه أن يتسلح بثقافة الترشيد المهمة، وأن يبتعد عن الإسراف والتبذير والتبديد بغير فائدة، او لمجرد اضاعة المياه دون الشعور بأهمية ما ينتج عن هذه الأفعال المرفوضة.
لقد تأثرنا كثيرا بما آلت اليه بحيرة ساوة المهمة سياحيا وبيئيا، لأنها نبهتنا على أن الجفاف ليس بعيدا عن الأنهار والبحيرات الأخرى في العراق، وهو درس سيكون تأثيره بالغا في النفوس، قبل أن يكون بالغا ومؤثرا في الثروة السمكية والطيور المهاجرة اليها.
اضافة إلى ما يحدث من كثرة العواصف الترابية الهائلة، التي تضرب العراق هذه الايام، مما ينتج عنها اتساع دائرة التصحر. فالوضع العام تغير كثيرا وخاصة بما يحدث من التغير المناخي، بسبب ارتفاع انشطة الانسان بالنسبة للغازات الدفينة في الغلاف الجوي، الامر الذي يحبس درجات الحرارة، التي ستؤدي إلى تآكل طبقة الاوزون بسببها، مما يؤدي إلى خطورة بالغة تنعكس على حياة الانسان على الارض، منها انتشار الأمراض الخطيرة، وشح الغذاء، وجفاف بعض مصادر المياه على المدى المنظور. اذن هي مسؤولية المواطن أمام هذه المخاطر، وعليه أن يدرك بان الظروف ليست لصالحه، طالما أن مصادر المياه مهددة بالجفاف، خاصة البحيرات وبعض الأنهر الصغيرة.
إن بلاد الرافدين التي طالما تغنى التاريخ بنهري دجلة والفرات وانتشرت على جانبيهما الحضارات التي علمت البشرية الثقافة والكتابة، هما الآن يتعرضان لأخطار شتى، وعلى المواطن اولا وأخيرا بأن يكون هو الحارس الأمين لمياههما والمدافع عن بقاء هذه الثروة الثمينة، كمانحة للحياة ولأن الماء هو أساس الحياة، ومن دونه لا يمكن للإنسان أن يعيش او يكوّن حضارة أو مدنية..