الرئيسية / النـــوّاب.. السيّاب هل كانت مصادفة؟

النـــوّاب.. السيّاب هل كانت مصادفة؟

شكر حاجم الصالحي
السيّاب والنواب عانيا من جور الفاقة والعوز وقسوة المنافي وملاحقة الأنظمة على اختلاف مسمياتها وعناوينها وايديولوجياتها، ولم يحتفِ بالشاعرين الكبيرين سوى المحبين والمعجبين والمتضامنين ضد المستبدين الطغاة
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
هل كانت مصادفة أن يعود جثمان الشاعر المجدد بدر شاكر السيّاب في 24  / 12 / 1964 على ظهر سيارة أجرة كويتية، برفقه الشاعر علي السبتي في ذلك اليوم الذي انهمرت فيه دموع السماء حزناً على رحيل السيّاب الذي مات غريباً في المستشفى الأميري، وأن يعود جثمان الشاعر الكبير مظفر النوّاب على متن طائرة رئاسية في العشرين من ذلك اليوم الأياري الترابي بعد إهمال حكومي متعمد!! وموت فاجع في الإمارات العربية المتحدة. 
وهما السيّاب والنوّاب من أحدثا شرخاً في ثوابت الشعر بفصيحه وعاميته، وسجلاً لهما براءة كشف واختراع باجتراح التجديد وقلب موازين الذائقة السائدة، وكلاهما السيّاب والنوّاب عانيا من جور الفاقة والعوز وقسوة المنافي وملاحقة الأنظمة على اختلاف مسمياتها وعناوينها وايديولوجياتها.
 ولم يحتفِ بالشاعرين الكبيرين سوى المحبين والمعجبين والمتضامنين ضد المستبدين الطغاة، وإن اختلف في شعرهما المختلفون إلا أنهما كانا يعيشان في ضمائر العراقيين والعرب لما قدماه من نقلات نوعية في مجرى الشعر وحققا فتحاً لا يضاهىٍ في تفكيك الثوابت السائدة وإعادة صياغة مفاهيم التجديد في حركة الإبداع الشعري وصولاً إلى ما آلت إليه نهضتنا الشعرية
الراهنة. 
لكن اللافت للانتباه ــ في كلا الحالين ــ غربة السيّاب وغربة النوّاب ــ إن الأنظمة السياسية قد أبرمت إتفاقاً ــ غير معلن ــ ضد كل ما هو جميل ومعرفي والشواهد كثيرة، فكم من مبدعي الوطن عانوا الويلات واحتوت جثامينهم مقابر الدول الصديقة والشقيقة، الجواهري، مصطفى جمال الدين، عبد الوهاب البياتي، سعدي يوسف، هادي العلوي، عبد الرزاق عبد الواحد، حميد البصري، عبد الحسين السماوي، غيلان، خليل شوقي، زينب،  و .. و .. و.. والقائمة تطول في كشف فضيحتنا أمام الآخر، ثم ألا يستحق النواب الذي شيعناه بهذا الانفعال الحاشد أن نعيد طبع أعماله الشعرية بنوعيها الفصيح والشعبي، وأن نقيم له تمثالاً في الكاظمية ــ مسقط رأسه ــ أو على ضفة دجلة في شريعة النواب وهو الذي ملأ أسماعنا شدواً وحنيناً ووجعاً عراقياً، وأغانيه تؤكد أهميته وعلو منزلته، ولا نطالب بإطلاق اسمه على أحد شوارع بغداد الحبيبة فهو سيظل في ذاكرتنا إلى أن يحين قضاء الله.. أما السيّاب فلسنا بحاجة إلى تمثال له، فما أنجزه الفنان نداء كاظم في كورنيش بصرته يجعلنا لا نبالغ في المطالبة ولا في
التمني.
مظفر عبد المجيد النواب الشاعر، التشكيلي، المؤدي، الإنسان قبل كل هذا خسارة فادحة، وعلى المعنين أن يراجعوا متبنياتهم ويعيدوا حساب خططهم ومناهجهم في رعاية مبدعي الوطن وتوفير الحياة الكريمة للأحياء منهم، ولن تعيد لنا لافتات النعي ولا كلمات الرثاء مبدعاً بحجم ومكانة النواب أو قرين المأساة بدر شاكر السياب، ويكفينا فخراً أننا أدركنا ضخامة منجز الاثنين واستمتعنا بإبداعهما، وبقينا الأمناء على إحياء تراثهما والدعوة للاعتزاز بكل مبدعي العراق الذين بذلوا ما استطاعوا لكي يظل الوطن بهيجاً مقتدراً عالي المقام.. و أخيـراً أعيد ما قلته في مفتتح هذه السطور.. فأقول هل كان مصادفة أن يموت النوّاب والسيّاب و... و... في عامي 1964 و 2022 في مستشفيات الأخوة في الكويت وفي الامارات ومتى سنحتضن رفاة جثامينهم ونودعهم في تراب العراق الذي لم يغب اسمه عن قصائدهم
الخالدة.
في عام 1964 أغرقتنا السماء بدموعها.. وفي عام 2022 شاركتنا الطبيعية أحزاننا بعواصفها الترابية فهل كل هذا الذي جرى كان مصادفة؟!



29-05-2022, 08:24
المصدر: https://www.ina.iq/157135--.html
العودة للخلف