ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
من يقرأ الأطر النظرية لكلا العلمين، يجد فرقاً واضحاً في اهتماماتهما، فعلم السياسة بناء على وفق ماجاء بموقع https://mawdoo3.com)) هو العلم الذي يهتم بدراسة الأنظمة الحكومية والسياسية، وكيفية تنافس الأشخاص على السلطة وتوظيفها لحكم البلاد)، وهذا يشير إلى اعتماده على أطر نظرية مجردة تدخل في مجال التنظير، وفي أحيان كثيرة تعد ترجمة لأطر أيديولوجية ترسم ملامح تلك النظم الرسمية، وعلى الموقع نفسه يلفت اهتمامنا علم السياسة بتلك الأطر التجريديَّة في الفكر الاجتماعي من دون الاهتمام بالمجال التطبيقي، إذ هو يهتم (بالمسائل السياسيَّة المتعلقة بالقانون الدولي، والعلاقات الدوليَّة، والسلوكيات السياسيَّة، والنظريات السياسيَّة، بالإضافة إلى الإدارة العامة، والقانون العام)، ونفهم من ذاك أن علم السياسة هو علم التنظير الفكري لتك المسائل واعتماده على فكرة فن الممكن، وهذا ما دفعنا إلى الحديث عن الفرق الجوهري بينه وبين الانثروبولوجيا السياسية، (علم الإنسان السياسي) الذي يعتمد على حقائق ميدانية يعدها جزءاً من اهتمام الانثروبولوجيا الاجتماعية بالدراسات الميدانية في المجتمعات التي لا تشكل دولة، أو ما تسمى بالمجتمعات المجزأة (العشيرة والقبيلة)، وهي مجتمعات استغرق تكوينها الآلاف من السنين على خلاف قيام الدولة، التي استغرق فترة اقل بكثير من تكوين القبيلة، إذ إن تلك النظم المجزأة مجتمعات ذات تراكم تراثي وقيمي، تعتمد على علاقات النسب، التي تعطيها صفة الاستمرارية، وتنظمها مجموعة من الأعراف والسنن، وتوصف الزعامة فيها بالتاريخية المتوارثة، والمعترف بها اجتماعيا بتقادم الأجيال، إذ إنها تمثل رمزيَّة مقدسة عندها، لذا كان اهتمام رواد الانثروبولوجيا الأوائل بدراسة المجتمعات البدائية، لا سيما منهم عالم الانثروبولوجيا (هنري مين) في مؤلفه (القانون القديم،عام 1861 )، إذ كشف عن المقارنة للمؤسسات الهندو – أوربية عن ثورتين في صيرورة المجتمعات: انتقال من المجتمعات المبنية على المركز إلى المجتمعات القائمة على العقد، وانتقال النظم الاجتماعيَّة المرتكزة على القرابة إلى النظم المعتمدة على مبدأ آخر، وخاصة مبدأ-التجاور المحلي – الذي يحدد أساس العمل السياسي المشترك - وهذا التمايز الثنائي هو في أساس الجدل القائم أبدا، ويبقى المرجع الذي غالبا هو كتاب –المجتمع القديم لمؤلفه (لويس مورغان) ملهم فريدريك انجلز والأب المؤقر لأكثرية الانثروبولوجين المعاصرين، راجع كتاب جورج بالا ندريه: الانثروبولوجيا السياسية، ترجمة على المصري، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،بيروت،1990، صفحة 23، ولعل هذا يكشف اعتماد الانثروبولوجيا السياسية على الأطر الاثنوغرافية، والدراسات الثقافية المقارنة-الاثنولوجيا- في كشف حقائق الميدان عن الممارسات والتصورات السياسية عند الإنسان في مجتمعات تنظمها النواميس الاجتماعية، والذي أظهر حقيقة ذلك بما جمعه عالم الانثروبولوجيا الاجتماعية الانكليزي (ايفا نز برتشارد) من الأبحاث المتصلة بهذا الاهتمام، مستندا إلى ما جمعه من أبحاث في هذا الصدد، فضلا من نتائج دراساته الميدانية عن مجتمع النوير في السودان، موضحا تلك العلاقة بين النظم القرابية والنظم السياسية، لا سيما في مجتمعات التي لا تكون دولة.واستنادا إلى ذلك، فهناك فرق واضح بين علم السياسية الموغل في القدم ويعود في احد مصادره إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي اعتبر الإنسان كائنا سياسيا، بينما الانثروبولوجيا السياسية الذي انبثق عام 1945 بعد جهود ايفا نز برتشارد الذي ربط بين السياسي والاجتماعي، بينما نطاق علم السياسة بقي في مجال التنظير، الذي يخص النظم والدولة ومؤسساتها المختلفة وما يجري فيها من علاقات سياسية وتكوينات تنظيمه وأيديولوجية، وتنافس على السلطة.
وعليه فإن الانثروبولوجيا السياسية، إنما هي مرتبطة بعلاقات الإنسان السياسية بتنظيم علاقات الأسرة وطبيعة السلطة الأبوية أو السلطة الأمية، إلى سلطة الزعامة العشائرية أو القبلية، فضلا عن السلوكيات الاجتماعية السياسية، وباختصار فإن جوهر اهتمامه هذا العلم يركز على البحث في العلاقات السياسية في المجتمعات المجزأة، والتي تمتد فيه الزعامة إلى جذورها التاريخية الضاربة في القدم، تنظمها أعرافٌ ونواميس اجتماعية تجد صدى لدى إفراد تلك المجتمعات، وهي تنتقل عبر الأجيال وتبقى حاضره في ذاكرتها، بينما يهتم علم السياسة ببناء الدولة القائم على قوانين وضعية تحتمها طبيعة تكوينها المؤسساتي، وهي تقوم بمجملها على العقد الاجتماعي وفي مرحلة تاريخية ما سرعان ما يتبدل زعماؤها على وفق المتغيرات السياسية القائمة، ولا يتوقف اهتمام علم الساسة عند هذا الحد إنما يمتد إلى العلاقات الدولية
أيضا.