الرئيسية / التاريخ والتراث صنوان متلازمان

التاريخ والتراث صنوان متلازمان

 هشام أزكيض*
مني بونعامة من مواليد كيفة بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهو كاتب وباحث أكاديمي موريتاني، يعمل حالياً مديراً لإدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث، وعضواً وأستاذاً محاضراً في عددٍ من الجامعات الإماراتية، صدر له أكثر من 15 كتاباً في شتى المجالات الثقافية والتراثية والتاريخية، وحاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الثقافي.                               
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
 
* سأبدأ حديثي معك عن مسقط رأسك، ويتعلق بموريتانيا، المعروف بالثقافة والعلم والشعر، فماذا يشكل هذا البلد بالنسبة إليك؟
- ولدت في مدينة كيفة بولاية العصابة، وهي من أكبر ولايات الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وقد شكّلتني هذه المدينة بما تحويه من تنوع ثقافي، وتشربت فيها من المعارف الدينية والأدبية، حيث تتلمذت على جلة علمائها، وتخرّجت من مدارسها، لذلك لا أجد ما يصدقها حقها غير التمثّل بقول الشاعر: (بلاد بها نيطت عليّ تمائم/ وأول أرض مسّ جسمي ترابها).. فهي الوطن الأول الذي صافحت فيه الدنيا، وانطلقت منه نحو عوالم أخرى.
 وكان التحاقي بجامعة انواكشوط والمعهد العالي للدراسات العربية والإسلامية في نفس الآن، محطة مهمة في مسيرتي التعليمية، حيث تلقيت فيهما معارف شتى لغوية، وأدبية، وتاريخية.. كان لها بالغ الأثر في اكتسابي الدربة والمراس على الكتابة والبحث والتأليف لاحقاً.
 
* هل لديك حلم ثقافي في طفولتك، أي هل كنت تحلم بأن تصبح مثقفا، عمله متعلق بالكتابة والبحث؟   
- كنت منذ الصغر شغوفاً بالقراءة والمطالعة، حتى أنني لم أكن أفوّت فرصة في عطلة أو استراحة من دون اصطحاب كتاب من كتب اللغة والأدب والتاريخ، كالمستطرف والأمالي والعقد الفريد والأغاني وغيرها من أمهات الأدب، وكان من اللافت حينها أنني لم أكن أقرأ الكتب بحكم الاختصاص أو العمر، وإنما من قبيل الهواية التي شكّلت مزاجا ثقافيا وتكوينيا معرفيا رويته لاحقا بالتعمق في العلوم اللغوية والأدبية، حتى نهلت من عينها الزاخر خلال سنوات الدراسة والطلب، كما كنت أحرص إلى اكتساب ثقافة واسعة من آداب العرب وأيامها وأخبارها ومآثرها مما حوته كتب الأدب والتاريخ، وكان لي تقليد خاص في الحفظ لا يخضع لمنهج دراسي وإنما لرغبة جامحة كامنة في نفسي حدتني إلى حفظ المعلقات والألفية والكثير من الأنظام الأدبية والتاريخية، ثم تولّد لديَّ اهتمام خاص، بحكم الاختصاص والميول الثقافية، بالدراسات الثقافية والتراثية وبخاصة ما يتعلق منها بنقد الموروث الثقافي والإسلامي، وقرأت جُلّ، إن أقل كلّ، المقاربات والقراءات النقدية ككتابات محمد عابد الجابري ومحمد أركون وحسن حنفي وطه عبدالرحمن وحامد أبوزيد ورضوان السيد وغيرهم الكثير، فضلاً عن دراسات تاريخية ثقافية فرضتها طبيعة الاختصاص. وأزعم أن لي مشروعاً نقدياً ما يزال قيد التبلور حول قراءة التراث الإسلامي من زاوية مختلفة، وسيكون باكورة إصداراتي فيه بعنوان: الإسلام الأول (المسألة الدينية). 
 
 * اهتمامك بالتاريخ مرتبط بمسارك العلمي، فكيف جاء هذا الاختيار؟
- بدأ ميلي للتاريخ مبكّراً، وشغفت به حباً عندما كنت طالبا في الثانوية، من دون أن تتكوّن لديّ الرغبة في التخصص فيه، وعندما حصلت على شهادة البكالوريا في الآداب تنازعتني أمور كثيرة، فمالت نفسي إلى الالتحاق باختصاص علمي أولاً، ثم أدبي يرتبط بالترجمة، لكنه ميلٌ لم يكن مشغوفاً بجاهزية داخلية، وشاء القدر أن سجلت في قسم التاريخ والحضارة بجامعة نواكشوط مؤقتا حتى أتمكن من الانتقال إلى قسم الترجمة، لكنني ما إن بدأت الانتظام في الاختصاص الجديد حتى شعرت برغبة جامحة لاستكمال الدراسة فيه، وعزّز من تفوقه فيه هذه الرغبة، وكان ميلي، بحكم تكويني الثقافي المبكّر، إلى التاريخ الثقافي، فعقدت العزم على المضي فيه، وقد توجّ ذلك بحصولي على درجة الدكتوراه، كما دبّجت العديد من الأوضاع والمؤلفات في هذا المجال منها على سبيل كتابي الأول: التدوين التاريخي في موريتانيا من إشكالية الوعي إلى أزمة الخطاب، والمؤرخون الشناقطة وكتابة التاريخ، والكتابة التاريخية في موريتانيا ملتقى القرنين 18، 20م، فقه النوازل في الصحراء الكبرى.. جدل الفقه والسياسة”، التاريخ الشفاهي في موريتانيا وأفق التدوين وغيرها.   
 
* أنت تهتم أيضا بالتراث، وعلاقته بالتاريخ محققة، فهل يمكنك أن تبين لنا أكثر طبيعة العلاقة بينهما؟ 
- التاريخ والتراث صنوان متلازمان، وفيهما من الترابط الشيء الكثير، وبخاصة أن اختصاصي الدقيق في التاريخ الثقافي، وهو اختصاص يتقاطع في بعض جوانب مع الثقافة الشعبية، وكان ذلك واضحاً في دراساتي التي أنجزتها على مدى عقدين من الزمان، ففيها ما يرتبط بالتراث المخطوط، ومنها ما يتصل بالثقافة الشعبية، وبعضها يقترن بالتاريخ الثقافي والتاريخ الشفاهي. كما يتجلى ذلك الارتباط في دراساتي المتأخرة حول دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال كتاب” الفصوص.. دراسات ومقاربات حول الإمارات، أو عن الشارقة من خلال كتاب: الشارقة في كتابات الرحالة البريطاني وليم بلجريف، دراسة في تمثل الآخر، وهو عملٌ يبرز تجليات التراث الإماراتي في كتابات الرحالة التي تعد أحد المصادر التاريخية عن المنطقة على ما ينطوي عليه هذا النوع من الكتابات من هنات وهفوات.
 
* لديك كتاب بعنوان “الشارقة موطن الكتاب.. تأملات في المشروع الثقافي لسلطان القاسمي”، ويبدو من  خلاله أن الكتاب هو أس المشروع الثقافي عند سلطان القاسمي، فهل هذا صحيح؟  
- نعم، يكشف هذا العمل عن المشروعات الكبرى والمبادرات التي أطلقتها إمارة الشارقة على مدى أربعين عاماً في خدمة الكتاب وصناعته، وتعزيز ثقافة القراءة للجميع وخلق مجتمع واعٍ ومثقف، متوقفاً عند أبرز المحطات المفصلية التي تنتظم ضمن المشروع الثقافي للإمارة، والتي من أبرزها معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي شكَّل على مدى 39 عاماً علامة فارقة في تاريخ الكتاب والنهضة الثقافية في الإمارة، ومناسبة سنوية لتمكين تقاليد الكتاب وصناعته وتعزيز حضوره وحظوظه، والاحتفاء به على أوسع نطاق.   
 
* تشغل مدير تحرير مجلة مراود، فبماذا تعنى؛ أي ما المواضيع التي تتطرق إليها؟
 - مجلة مراود مجلة ثقافية تعنى بالتراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي تصدر عن إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث، والمجلة تركّز على تقديم المادة التراثية بلغة سهلة وميسورة من دون أن يعني ذلك اللجوء إلى أساليب ضعيفة، كما تعنى باحتضان كل المعارف الشعبية والتراثية على المستوى العربي والعالمي، من خلال إفراد مساحة مهمة لتنوّع الإسهامات الثقافية والمقاربات التراثية لتكون المجلة نافذة من المعهد على الآخر، يتعرّف من خلال ملفاتها التراثية على ملامح من تراث الإمارات، كما يطالع في أبوابها روح التراث العربي ونفحات من التراث العالمي، وقد نجحت المجلة منذ انطلاقها في عام 2017 في استقطاب الكثير من الأقلام الجادة لنخبة من الكتاب والباحثين العرب والأجانب، كما اتسع نطاق انتشارها حول العالم، ما يعكس النجاحات الكبرى التي حققتها في فترة وجيزة.  
 
* حدثنا عن بعض أعمالك المستقبلية؟
- الآن أشتغل على عملين مهمين يرتبطان بالشارقة، أولهما، وهو على مشارف الاكتمال، بعنوان: سلطان والتراث.. أربعون عاماً من حماية التراث الثقافي في إمارة الشارقة، وهذا العمل الأول من نوعه، يوثّق لتجربة الشارقة وعلاقتها بالتراث، وذلك بعد أن مهدنا من خلال أعمالنا السابقة عن الشارقة لهذا الموضوع من خلال توثيق ملامح من مسيرتها الثقافية. 
أما العمل الثاني فهو يتعلق بالتجربة الإعلامية في الشارقة وعلاقتها بالمشروع الثقافي، وكيف شكّل الإعلام هنا هوية المجتمع وذائقة المتلقي من خلال البرامج والقضايا التي عرضها منذ تأسيسه، وأثر ذلك وتأثيره على تنمية المجتمع وبناء الإنسان انطلاقاً من المشروع الثقافي المستنير لهذه الإمارة الباسمة. 
* كاتب من المغرب




18-05-2022, 08:24
المصدر: https://www.ina.iq/156206--.html
العودة للخلف