على عكس نظريات محاكاة الواقع التي اشتغل عليها الأسلاف، وأزالوا بها عصر الرومانسيَّة من أوروبا، برزت عربياً وتحديداً بعد صدور أول رواية مصريَّة وهي «زينب» لمحمد حسين هيكل عام 1913 مشكلة تطويع الواقع
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
العربي.لأكثر من قرنٍ كان السرد العربي يقتربُ ويبتعدُ عن الواقع من دون أنْ تكون له فرصة لتنويع الموضوع السردي، والنجاح الأول في هذا كان مع توفيق الحكيم في عودة الروح وتلاه نجيب محفوظ في رواياته الاجتماعيَّة، ولكنْ مشكلة تفكيك الواقع كانت كبيرة جداً في الجانب الآسيوي من البلدان العربيَّة وتحديداً في العراق الذي وجد ساردوه أنَّ استعمال العاميَّة في الحوار هو الحل الأمثل.
الشيء الذي عقد تقدّم السرد في العراق هو الأيديولوجيا السياسيَّة التي وضعت أُسساً أخلاقيَّة للفعل الواقعي وغيبت التفكير الفردي وعاد الشعر ليكون لصيقاً
بالحاكم.
لقد توقف اجتهاد تطويع الواقع في خمسينيات القرن الماضي واعتماد العاميَّة في الحوار كان الخطأ الأكبر لأنه عزل الأدب العراقي عن محيطه وجعله منغلقاً تماماً، وفي ستينيات القرن نفسه برز السرد الأيديولوجي الذي صنف المجتمع بين المثقف والسياسي وبيوت الدعارة والبارات، وبالتالي كانت الأفكار الأيديولوجيَّة تسهل للسارد كتابة عملٍ بقياسات مطلوبة
سلفاً.
وجاءت الحروب المتتالية لتزيد من تحكم الأيديولوجيا وكان من غير الممكن تخيل الحياة الاعتياديَّة على حقيقتها، أو العمل على تفكيك الواقع وإرجاعه إلى أصول مفهومة وما عمق هذه الكارثة هو إعادة الاعتبار للقرية ومفاهيمها وأصبح السرد يتناول حياة القرية في الكثير من الأعمال.
إنَّ فشل السرد العراقي مردُّه إلى تقهقر المدنيَّة وتردي التعليم وعدم القدرة على فهم الشخصيَّة العراقيَّة، فكتاب الرواية لم يشتغلوا على إزاحة النمطيَّة وإزالة القشور المكتسبة، ولم يعثروا على الجوهر الوجودي ولم تكن هناك مشاريع لإعادة قراءة المجتمع وبالتالي بقي الأدب العراقي شديد الغموض وغير ميسرٍ في القراءة ومع فشل السرد فشلت لدينا الدراما بأنواعها للسبب نفسه فحين لا يوجد للبلد كتابٌ كبارٌ يؤسسون للقادم لن يكون للدولة أجمعها أي خطابٍ واضحٍ أو ثقافة
متنامية.