المتابع للشأن العراقي في ملف الخدمات العامَّة المقدمة للمواطن تحديداً يجد أنَّ المشكلات تتراكم يوماً بعد يوم، أزمات موسميَّة كالهرباء والماء وغيرها، وأزمات أخرى تبلغ ذروتها في لحظات معينة وتتراجع في أخرى، وأزمات تظهر في «وقت الحاجة» إليها، وتختفي بعد تأدية مهماتها، ووسط كل ذلك تكاد تكون العقول عقمت عن الحلول.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
الواقع أنَّ كل الأزمات المتعلّقة بالخدمات مرّت على بلدانٍ قبلنا وضاقت مرارتها، لكنَّ هذه البلدان وجدت حلولاً لها وأنهتها وانشغلت بمشكلات أخرى تعمل على إنهائها، وهكذا يتم رسم السياسات العامَّة التي بطبيعتها تُعدُّ استجابة لمشكلة عامَّة يعانيها المجتمع تتطلب تدخلاً من السلطات المعنيَّة لمعالجتها، ومن ثم قياس أثر تلك المعالجات، ودورة حياة «المشكلة ومعالجتها» مستمرة باستمرار طبيعة دور الدولة تجاه أفرادها، وهذا هو الوضع الطبيعي والصحيح لطبيعة العلاقة بين السلطة من جانب ومن تحكمهم من جانبٍ آخر في إطار الحقوق والواجبات الملقاة على كل طرف.غير الصحيح والمعقول أنْ تبقى جميع أنواع الأزمات في البلاد تتكرر من دون وجود سياسات عامَّة تنهيها، وأقصى ما تذهب إليه السلطات هو معالجات ترقيعيَّة في بعض أزماتها، فالكهرباء والماء والمجاري والصحة والتعليم والطرقات والإسكان وليس آخرها الغبار، كلها ليست وليدة اللحظة أو ظهرت بشكلٍ مفاجئ، بل إنها متراكمة منذ سنوات طويلة، لا النظام السياسي السابق وجد حلاً نهائياً لها ولا النظام الحالي، وما كان يجري مجرد محاولات لعبور تلك الأزمات لا معالجتها، فهل عقمت الحلول أم عقمت الإرادة الحقيقيَّة لإيجاد سياسات عامَّة تنهي تلك الأزمات وتحولها الى مجرد تأريخ، ولدينا مئات التجارب لدول مجاورة تجاوزت أزماتها بإرادة وطنيَّة قبل كل شيء، فالتخطيط والتنفيد ونماذجهما المتعددة لكل أزمة متوفرة في الواقع والتنظير، لكنْ تبقى الحاجة الى تلك الإرادة التي تحسم معاناة الناس تجاه أزماتها، وإذا أعددنا تجارب دول الجوار فقط في معالجاتها وسرعة استجابتها لحاجات ومشكلات مواطنيها، لتأكد لنا أنَّ العقم الحقيقي لا يكمن في الحلول، ولا الأموال، ولا الخبرات والإمكانات، بل يكمن في الإرادة الحقيقيَّة لإنجاز تلك المعالجات.