كثير من العراقيين، ما زالوا يتذكرون برنامج "السلامة العامة"، الذي كان يقدمه عقيد المرور ابتهاج الياور عبر شاشة تلفزيون العراق، ويعد هذا البرنامج من أكثر البرامج تأثيرا، بعد أن امتد عمره إلى نحو 15 عاما.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
فقد كان ينتظره الناس بشغف، لمعرفة تفاصيل المشهد المروري، إذ كان الياور يمتلك طريقة محببة في التقديم، ومما يؤسف له أن أحدا لم يخلفه في تقديم برنامج من هذا النوع، ربما باستثناء العميد عمار الخياط، الذي بذل جهودا كبيرة في مجال السلامة المرورية، ولكن ظهوره في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، التي استحوذت على النسبة الأكثر من الحياة، أسهم في الحد من مساحة تأثيره التلفزيوني..
إن الذي دعاني إلى استذكار برنامج ابتهاج الياور، هو الغياب الواضح للثقافة المرورية في الشارع، وبات الكثير يتصرفون وكأنهم في غابة، وسط ضعف وعدم قدرة رجال المرور على ضبط إيقاع حركة السيارات في الشوارع، التي تفاقمت أعدادها بنحو غير مسبوق، فالمؤشرات تشير إلى أن عدد السيارات في عموم العراق تجاوز الـ(7) ملايين سيارة!!، وبالتأكيد وفي ظل هذا الاضطراب، صرنا نسمع أرقاما صادمة عن أعداد ضحايا الحوادث، التي تشهدها شوارعنا في كل لحظة، فأن يتوفى أكثر من 12 ألف إنسان، ويصاب نحو (50) ألفا، في غضون (٥) سنوات، فضلا عن الخسائر المادية الهائلة، فلنا أن نتصور حجم المأساة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، واللافت للنظر، أن أكثر من (80 ٪) من هذه الحوادث سببها السائق وليس السيارة او الطريق، ونصفها (50 ٪) يرتكبها السائقون الشباب بعمر
(18 - 39 سنة)، وهذا الذي دعاني إلى استذكار ابتهاج الياور، الذي أسهم بشكل واضح في خلق وعي مروري انعكس على سلوكيات الناس في الشارع، مع عدم إمكانية مقارنة أعداد السيارات في عقدي الثمانينات والتسعينيات، التي زادت على المليون سيارة بقليل، مع الواقع الذي نشهده اليوم.
ومن هنا تأتي الدعوة الجادة إلى وجوب إعادة النظر بآليات منح رخصة القيادة، بحيث لا تُمنح الا وفق شروط ومتطلبات ليست سهلة، من بينها أن يكون المتقدم على إلمام كامل بالثقافة المرورية، ولديه القدرة على تطبيق مبدأ (السياقة، فن وذوق ولياقة)، إضافة إلى قيام رجال المرور بفرض الأنظمة والقوانين، التي تنظم الحركة المرورية، من أجل خلق سلوك متزن لدى مستخدمي الشارع، بعيدا عن التهور والرعونة والسير عكس السير، وعدم احترام الاشارة الضوئية، وسوى ذلك من السلوكيات، كما لا ننسى الدعوة إلى ضرورة الالتفات إلى ظاهرة (التكتك) التي غزت الشوارع، وباتت تمثل خطرا على حياة أصحابها والآخرين، وكل ذلك لا يلغي الدعوة إلى وجوب النظر إلى الشوارع المتهالكة، التي تتطلب توسعةً واكساءً وتأثيثا، ووسط كل هذه التفاصيل يبقى دور الإعلام أساسيا ومهما في بلورة ثقافة مرورية، تنسجم مع الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للبلد، وصولا إلى تحقيق طريق السلامة للجميع.