سالم مشكور
في كل رمضان، يتجدد الحديث عن الدراما الرمضانية وتنشط التقييمات والاشارة الى الثغرات. ليست كل دراما تعرض في رمضان تندرج تحت عنوان "دراما رمضانية"، وهي تختلف عن دراما تعرض في رمضان، بل المقصود هنا هي تلك التي يجري إنتاجها خصيصا للموسم الرمضاني، وهي تمتاز بالبساطة ويغلب فيها الجانب الترفيهي دون أن يعني غياب الجانب التربوي والأخلاقي غير المباشر، فالدراما بكل أصنافها أداة فعّالة في بناء المجتمع ومنظومته السلوكية والأخلاقية.
لا يتم ذلك بالوعظ المباشر بل بعرض النموذج الإيجابي (وكذلك السلبي ولكن في إطار انتقادي).
التركيز على رمضان مبعثه تجمع الأسر بعد الإفطار وبالتالي زيادة نسبة المشاهدة، رغم أن التطور التقني جعل المشاهدة واسعة جدا من خلال مواقع التواصل بما يفوق المشاهدة المباشرة عبر جهاز التلفزيون. من هنا كان النقد الذي يتناول الدراما المعروضة في هذا الشهر أكثر، ويزداد بازدياد الأعمال التي يتم عرضها.
في رمضان هذا العام، الذي نعيشه أيامه الأخيرة، شهدت الشاشات العراقية ازدياداً واضحا في حجم الإنتاج الدرامي. كثير من الانتقاد أيضا لبعض الأعمال، وهو أمر أكثر من طبيعي، بعض الانتقاد يتناول الأداء مقارنة بالدراما العربية مثل السورية والمصرية والخليجية، وآخر يذهب الى المضمون فيرصد في جانب منه مخالفة للقيم الاجتماعية والأخلاقية، وهكذا.
أغلب الانتقاد ينبع من حرص على ان تكون لدينا دراما متطورة فنيّا وتقنياً بشكل يضاهي ما نراه في نتاجات عربية أخرى، وأن تلعب الدراما دوراً ايجابياً في بناء المجتمع من خلال ترسيخ القيم الأخلاقية بأشكالها المختلفة التي تحرص عليها كل الدول من أجل بناء مجتمعات قوية متماسكة.
الجميع يعرفون أهمية الدراما في عملية البناء الإنساني. ولهذا فإن الكثير من الدول تنشئ مؤسسات خاصة لفرز المصنفات الفنية، ليس للتضييق على الحريات إنما لحماية المجتمع من التمادي في تفسير الحرية، ناهيك عن عمليات "الدسّ الناعم" الذي يقف وراءه تخطيط له أهدافه.
هي عملية تنظيمية وقائية من أجل إبقاء الفن وسيلة بناء (الى جانب التسلية) من خلال ترسيخ القيم الإيجابية، ومنع استغلالها معولا يهدم اخلاقيات المجتمع، تماما كما هو تنظيم الاعلام التي تتبعه كل الأنظمة الديمقراطية من أجل دعم إعلام مهني بنّاء وحرّ، ومنع الدور التخريبي الذي يمرر عبر الاعلام وتحت مظلة الحرية.
وفي بلد مثل العراق، لا بد من دور للدولة في تنظيم العمل الدرامي، ليس في متابعة المضمون وحسب، إنما في الدعم المادي للإنتاج الدرامي، وهو استثمار في الانسان الذي يصلح حال البلاد بصلاحه. الفن والدراما ليست ترفاً إنما هي حاجة، وسلاح ذو حدين.