الرئيسية / ثمانينيَّة محمَّد خضير.. في الثناء على عين البصرة الباصرة

ثمانينيَّة محمَّد خضير.. في الثناء على عين البصرة الباصرة

سالمة صالح *
هذه السنة، بلغ محمد خضير الثمانين من عمره.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
منذ أول مجموعة له كان وجوداً غريباً في أدبنا العراقيّ. كان فاعلا ومؤثراً عن بعد لأنه لم يكن ابن وسط ثقافيّ، مقلا في النشر لكنْ كلّ كتاب له حدث ثقافيٌّ كبيرٌ. مسيرة أراد لها أن تكون عكس كل تيار فنيّ، مكنته من أن يخلق عالماً خاصاً به، بالمعنى الذي أشار له ستاروبنسكي حين قال: إن الأدب العظيم يخلق مكانه وزمانه الخاصين به. من يوميّ البصرة وشؤونها خلق أسطورة المدينة، ومن يومياته خلق أسطورته الشخصيّة.
الأدب العراقيّ مدين لنصوصه التي يتواشج فيها شعر وسرد ولغة مصفاة لصناعة سحر أبهرنا قديماً ولم يزل.
هنا حلقة ثانية من ملف "ثمانينيَّة محمد خضير "احتفاء بقمة شاهقة من قمم الثقافة العراقية والعربية".
شابٌ في الثمانين
 
في حافلة كانت تقل مجموعة من ضيوف مهرجان المربد عام 1969 كان الجميع يتحدث عن محمَّد خضير، وكان موضوع حديثهم قصة "الشفيع" المنشورة في مجلة الكلمة يومذاك والتي لفتت انتباه المهتمين إلى كاتب اسمه محمَّد خضير سيثري السرد العراقي في ما بعد على مدى عدة عقود. عرفت محمَّد خضير كاتبا مثابرا قليل الضجيج، مخلصا للكلمة، له ما لكل من عرفتهم من مثقفي مدينة البصرة من سماحة خلق وحسن معشر ونزاهة من الضغائن. والبصرة كما عرفتها مدينة الماء وليست كما وصفها بعض كتب التراث بأنّها الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب، لم أَرَ الأرض الغليظة فيها ولا رأيت الحصى الذي حدثني "الحموي" عنها. وبدلا منهما رأيت الماء والنخيل ومطاعم السمك وملأتُ رئتي بروائح التوابل الآتية من الهند.
أعود اليوم لقراءة ما فاتني في سنوات البعد والانقطاع القسري وقد تيسّرت سبلٌ للمتابعة والقراءة لم تكن متاحة من قبل فأعيد قراءة "الأرجوحة" ويُخيل إليَّ أنّني أقرأ الآن نصّا غير الذي قرأته عام 1968 وأصغي الى المئذنة يقرؤها الكاتب فيقودني بخطوات ثابتة متأنية عبر طرق مدينته "البصرة" التي قرأت أنّها سمّيت بالبصرة لغلظتها وشدّتها، أبحث عن انعكاس هذه الغلظة في النصوص الأدبية فلا أجد سوى ليونة ورفقا ومحبة. وأميل الى تصديق من قال إنَّ البصرة مدينة "قارئها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة".
لا أظنُّ أنَّ لمحمَّد خضير خصوما في المشهد الثقافي الذي كثيرا ما كان يعجّ بالخصومات منذ الستينات، فهو لم يغادر معتكفه البصري وأعرف الآن أنه توقف عن الكتابة بين  1978 و1993، وأدّعي أنّنا نعرف السبب. وربما رأى نفسه "مثل هذه الشخصيات الزاهدة، كشخصيَّة الجاحظ على سبيل المثال التي لم تكن تتقرَّب الى الذوق، ولم تكن تتقرَّب الى قصور السلطان وماشابه، هذه الشخصية الجاحظيَّة ربما نمت على صورتها كثيرٌ من الشخصيات الأدبية التي أعقبتها وجاءت بعدها... هناك شخصيات أدبية لا تنمو إلّا في ظروف العزلة والانكفاء والاعتكاف على العمل والإخلاص للعمل والسعي الى التجويد في العمل، شأن هذه الشخصيات شأن المحترف اليدوي، الذي يهمه أن يجود في صنعته. "(من حوار أجراه أحمد الحيدري مع الكاتب لجريدة الدستور العراقيَّة).
أتابع القراءة. أقرأ "المتسولة والسائق الكردي"، و"النفق"، و "أغنية جسر اللقلق" لا يترك محمَّد خضير القارئ تائها، فللمدن في قصصه أسماء، والشوارع لا تقودنا الى طرق مسدودة، وللناس ملامح واضحة حتى حين لا يذكر لنا أسماءهم.
إذا ذكر محمَّد خضير ذُكرت البصرة وإن ذكرت البصرة ذكر محمد خضير. أنا أتحدّث هنا عن شاب في الثمانين يواصل عمله الدؤوب ليمنحنا بهجة قراءة ما هو جديد، ممتع ومفيد.
* روائيَّة عراقيَّة مقيمة في ألمانيا


 


10-04-2022, 08:35
المصدر: https://www.ina.iq/153316--.html
العودة للخلف