كل فترة يظهر أحد الباحثين التاريخيين بفكرة جديدة ويتم الترويج لها بقوة، لا لسبب سوى أنها تبدو جديدة ومخالفة للاعتقادات السائدة، ونجد أن هذا الباحث يبتعد جدا عن الأساليب العلمية المنطقية في البحث، فهو يشدد على كل ما يدعم فكرته مهما كانت دلالته ضعيفة، ويتجاهل كل ما يشكك بها مهما كان التشكيك واضحا وقويا، ولا يحاول أن يقدم تبريرا لعدم اكتشاف آخرين لفكرته قبلا وميلهم لغيرها.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وغالبا الفكرة تكون تدعم التوجه القومي الشخصي للباحث، فاليمنيُّ يكتشف أن كل شيء أصله يمنيَّا والسوري يكتشف أن كل شيء أصله سوريا والعروبي يجد أن كل شيء أصلهعربيا.
المجتمع العربي الثقافي ما زال يفتقد بشدة للروح العلمية المنهجية، سواء من قبل الكاتب أو القارئ، فمعظم الكتب برواياتها التاريخية التقليدية، ليست صحيحة تماما ولا تخلو من الكثير من المغالطات التاريخية، وهذا يعترف به حتى من جمع نصوص الكتاب بالشكل التقليدي، عندما يورد أكثر من رواية مختلفة للحدث نفسه محافظا على الأمانة في النسخ، ولا مانع من أن يشكك أي كان بما هو متعارف عليه، لكن بشرط إتباع المنهجيَّة العلمية المنطقية السليمة، فتأصيل الرواية التقليدية المتعارف عليها تعني تثبيتها لحدث تاريخي عابر، الغرض منه هو استعانة فقرة منها كمصدر لبحث آخر وليس القصد منه أن يؤصل الفكرة نفسها ويعدّها حقيقة ثابتة لا يمكن الشك فيها، ولكن نجد أن اغلب الباحثين العرب أمثال خزعل الماجدي وفاضل الربيعي وفراس السواح يحاولون تأكيد ما جاءت به النصوص الأقدم، لتكون بذلك بمثابة الرواية الأكثر مصداقية، على الرغم من فجواتها التي لا يمكن ملؤها، الا من خلال التقصي حول مدى أهميتها وما يمكن أن تكون مادة حقيقية للدارسين والباحثين.