الرئيسية / طامحاً بالجيد

طامحاً بالجيد

 ياسين طه حافظ
من هذه الموضوعات التي أسأل نفسي عنها ساعة أكون متحرراً، هل يمكن أن نكتب في موضوع "آخر غير المعتاد من الموضوعات وغير ما يكتب عادة فيها؟
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لنستعرض من كتبوا، الشاعر الغنائي اعتمدت قدره إبداعه على القبول، على الرضا، بواحد من هذه المواقف الأخلاقية، والتي هي من بعد موضوعات الكتابة: موقف المحب، الحكيم، البطل، مزدري الحياة، الراثي، وصاحب المفاخر أو متمنيها، وناشر الأسى والحنين.
والملحمي، اشتبكت عليه الرؤى والأحوال والتساؤلات فجمعها كلها وفتح الأبواب لما يجيء. قدم حياة وأقنعة لحياة، وقدم أزمنة. مجموعة كلها ضمن عمل واحد. 
حسناً أننا نحس ونطور في إعادة انتاج الموضوعات القديمة أو التي اعتدنا نكتب فيها أو نرسم فيها أو نفكر. أمر ليس مهماً، ولكنه عظيم وذو أثر وله فعله ضمن التقدم الإنساني العام. لكن هل هذه الموضوعات هي كل الذي يهم أو يشغل حياة الإنسان وعقله وكلما تحتاج له ممارسته العيش ومواجهة المصير؟
إن كان ذلك غير ممكن، لو أمكن لوجدنا أثره، كيف إذاً كتبت جلجامش لتفاجئنا بعد أدعية وغنائيات كانت مألوفة وكانت كافية؟ أيضاً، كيف جاءت نتاجات الخيال العلمي وحققت لها وجوداً واسعاً ومهما في تاريخ الأدب وفي النشاط التخيلي، وفي الإشكاليات الإنسانية متاعبَ وطموحاً؟
كانت لنا تمردات أو اختراقات ضمن الموضوعات الاعتيادية فحفلت الأجناس المعتادة بمضامين، لا أقول جديدة ولكن أوسع وأبعد أو أدق نفوذاً. ومثل هذا حصل في الفنون كلها رسماً ونحتاً ومسرحاً وموسيقى.
لكن السؤال، ليس عن تطور ما لدينا وما عرفناه، السؤال عن جديد نريد أن نعرفه ونعمل على انتاجه بصورة إبداعية تختلف باختلاف منتجيه.
أبو العلاء المعري كسر في رسالة الغفران أطواقاً قديمة في طرائق التعبير..  رسالة الغفران عمل يجمع بين الرواية والملحمة. هو شكل جديد لكن من أشكال فرعية معروفة. العمل خطوة جبارة لعقل متوقد وصعب.
دانتي الايطالي، في الكوميديا الإلهية، أوجد شكلاً، ليس روائياً، ليس ملحمياً، ليس مثيلاً لاية مسرحية لسفوكلس او  سواه. هو صنع مدى شعرياً ضخ فيه كل مشكلات عصره وأفكاره وعواطفه في الناس وفي السياسة وحكام  العصر وأبطال ثقافة ذاك العصر ومن يحب ومن يكره.
هو أيضاً وجد فرصة ليلقي كل خصومه السياسيين والعقائدين في الجحيم كل بدرجته من الخطأ أو من الكراهية وليس مجاناً ولا بغير سبب. شهرة هذا العمل وحضوره وخصبه وقوة وسعة إيحاءاته وموقعه في تاريخ الأدب وفي الحضارة الإنسانية، جعلت له موقعاً يستوجب الاحترام. كان يمكن أن يكتب غنائيات في الحب وقصائد هجاء لخصومه وقصائد ثناء أو مديح لمن يريد رد الفضل لهم أو يعبر عن إعجابه بأعمالهم. لكنه كتب الكوميديا الإلهية!
أظن كتابه السيرة الحديثة إضافة تذكر. هي تختلف عما عرفناه من السير القديمة، تلك التي كانت مجمعات إحداث وروايات تاريخية وإشارات لما كان. فن يزداد تطوراً واستحواذا على فنون تعبيرية أخرى. في السير شيء من الرواية ومن الشعر ومن التاريخ ومن الرسائل الشخصية ومن الصحافة ومن الإضاءات الفكرية والنقد.
فاتني أن أقول كانت المقامات فناً جديداً وإن ظلت آفاقه بتواضعها ولم تتطور كثيراً وأخذتها اللغة أكثر مما أخذها الفن والفكر.
نعود الى السؤال: هل انتهى الجديد؟ وهل يمكن أن يتوقف جديد الفن وجديد التقنية وجديد العلوم؟ أظن الأفق لا يغلق في الحياة بل يتسع.
وهنا قد يسأل القارئ، ولكن ما الذي يدفعك لتساؤلات أو لأمنيات مثل هذه وسواها كافٍ ويمكن تطويره اذا احتجنا الى مزيد؟
الجواب، أنا لا أتفلسف، كما يقولون، وليست هي رغبة في الكلام، فأنا قليل الكلام عادةً في البيت وفي العمل. ولكني طموحٌ جداً وراغبٌ جداً في رؤية الجديد. وأنا واثقٌ مؤمنٌ بأن في الحياة الكثير مما يحتاج قدرات فنية أخرى للتعبير عنه. ومتابعتنا للتطورات السريعة في فنون الأدب وفي التشكيل والفكر والفن الطباعي والاتصال والعلوم، تجعلني على يقين بأن جديداً مختلفاً لم يعد بعيدا عنا وأنه متوقعٌ كل يوم!



16-03-2022, 08:25
المصدر: https://www.ina.iq/151384--.html
العودة للخلف