د. علاء هادي الحطاب
الحروب وقودها الناس والحجارة، وأياً كانت أسبابها فإن المتضرر منها الفقراء قبل غيرهم، وتبعاتها لا تنتهي بنهاية تلك الحرب، بل تبدأ بعد نهايتها، ونحن في العراق ربما أكثر دولة بالعالم شهدت مآسي تلك الحروب، إذ تجرّعنا سمّ ثلاث
حروب في غضون قرابة عشرين
عاماً فقط، فضلاً عن الصراعات
الداخلية التي ما انفكت تأكل أحلامنا قبل أعمارنا.
ما يحصل اليوم بين روسيا وأوكرانيا تذوقنا مرارة مثيلاته بكل تفاصيلها وأكثر من ذلك، ومن المفترض أننا أكثر من يشعر بما تنتجه تلك الحروب من مآسٍ ودمار ما زلنا نعيش بعض آثارها، وبالمقابل انقسمنا بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك في لا ناقة لنا فيها ولا جمل، المؤيدون لروسيا فرحون، بل وينتصرون لـ (بوتين) والمؤيدون لأوكرانيا كذلك، وسائل إعلام ومنصات رقمية انقسمت بين هذا وذاك، وكلٌ يدفع باتجاه من يتمنى الانتصار له، ولا أعرف حتى اللحظة مدعاة هذا التحيّز لمنصات رقمية لروسيا أو أوكرانيا، فكلتاهما لا تتأثران بما نكتب وننشر، بل ونختلف بيننا كأبناء بلد واحد إزاء صراع دائر خارج بلدنا وإقليمنا بل وحتى قارتنا برمتها.
هذا الانقسام يعزز جملة الانقسامات السابقة في كل شيء، في السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر، حتى بات انقساماً مجتمعياً بتنا نراه طبيعياً، لكنه في الواقع
انقسام خطير لمجتمع تتقاذفه أمواج متناقضة من الأيديولوجيات والمواقف والسياسات، يحوّلنا دائماً لأكثر من فريق إزاء قضايا من المفترض أن لا خلاف بشأنها كالحروب وما تخلّفه من دمار للإنسانية جمعاء.
الحروب ليست نزهة نطرب لقرع طبولها، وليست مباراة كرة قدم ننتصر فيها لفريق دون آخر، لأنها ببساطة يكون وقودها الناس والحجارة.