ربط سقراط بين الفضيلة بوصفها فعل خيّر وفعل المعرفة، فكل إنسان فاضل هو عارف، وكل عارف فاضل، وهذا قول في ما ينبغي أن يكون لا ما هو كائن. ترى السفسطائية أن الخير والشر أمر نسبي، فالشر يكون شراً وفق جهة المتضرر منه، والخير يكون خيراً وفق وجهة نظر المستفيد منه، فلا معنى للشر أو الخير لأنهما أمران نسبيان.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
فقد يكون الشر الذي ناره مضراً لنا، هو خير عند آخرين، والعكس صحيح، فقد يكون الخير الذي نعتقد بأنه خير، هو شر بالنسبة لآخر مختلف معنا في الرؤية.{أنك لا تدخل النهر مرتين} عبارة للفيلسوف اليوناني (هريقليطس)، وهو فيلسوف النسبية المعرفية بامتياز، والمعرفة متغيرة، ولن تجد ما تصورته قبل لحظات على أنه كذلك، سيكون بعد لحظة على ذات الحال الذي كان عليه.
قد يتداخل مفهوما الخير والشر بحسب شكل الصراع بين طرفين، فتصور أنك في حرب مع طرف آخر، فكل متبنايتك هي المطابقة للخير كله، وكل متبنيات عدوك هي محض افتراء، وشر محض، والعكس
يصح.
قد أجد في تصور الفلسفة الإسلامية عن مشكلة الخير والشر وفق تأملاتهم الميتافيزيقية ما ينفع لتبني رؤية لوجود الخير والشر، وتفسيرهم تفسيرًا أنطولوجيًا لا معرفيًا، كما فهمت، على أن الله أوجد الشر من أجل الخير الأعم، وهذا ما ذهب إليه ابن رشد، ولكن يبقى السؤال هو كيف نفهم أن هذا شر وذلك خير؟ أظن أن الجواب مرتبط بمقياس ارتهان الخير لمتبياتنا العقائدية، والشر هو ما دون ذلك!.
انشغل الفلاسفة في مشكلة الخير والشر ومحاولة ايجاد رؤية فلسفية لتفسيرها، ولكنها تبقى رؤى تنتمي لها أبعاد عقائدية تعود للتساؤل عن أصل وجود الشر والخير، فإن كان الله هو الخير الأسمى، فلماذا خلق الشر؟، لذلك أجد أن الجواب الفلسفي عن مشكلة الخير والشر يدور في فلك الأديان والمذاهب والعقائد.
لأعيدكم لأفلاطون ومذهبه في مثال (الخير المطلق)، لأذكركم بمقدار ما خلقه من فجوة بين عالم نتصوره وعالم واقعي نعيشه، وفق (الينبغي) و (اليجب)، والقياس التمثيلي بين عالم واقعي ناقص = (الشر) وعالم متمنى = (الخير).
قد يخدمنا تصور الفلسفة الرواقية لمشكلة الخير والشر في فهم الجدلية بين المفهومين، وتبدل الأدوار في ما بينهما، فيذكر لنا (أبكتيتوس) أن ما نتصوره على أنه شر محض قد يكون هو الخير الذي لا نتوقعه، فالخير والشر لا يُمكن أن يكونا جوهرانيين في أصل التكوين الإنساني فينا، إنما ينشآن بحكم مواقفنا من
الأشياء.
يؤكد أبكتيتوس على أن الحياة تستحق أن تُعاش لنُنمي فيها الشعور بالسعادة والعمل على تحصيلها والتنبيه إلى سبيلها بتعبير مستعار من الفارابي، فالفلسفة هي فن الحياة، ولن نعيش في الحياة لأن الخير يحف بنا فقط، بل ما عشناه من خيبات وفشل قد يكون هو أحد السبل لفهمها ومعرفة الخير الذي فيها، فلا شيء يملؤنا بالبهجة سوى الأمل، والأمل قد يكون أمراً مفترضاً قد نُخطئ في تصوره، ولكنه يستحق أن نعيش من أجله لأنه سيصنع لنا مستقبلاً أفضل، فنحن نزرع، وننتظر الزهر للثمار وحتى تنضج نحتاج لزمن طويل.
وستبقى تصوراتنا عن الخير والشر ذاتية مجرد (انطباعات)، محكومة في الغالب الأعم برؤيتنا عما تصورناه وعشناه على أنه خير أو أنه شر.