(1)
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
كيف نكون أمام إبستيمولوجيا مقلوبة على رأسها؟ بعد ذلك كله، أي بعد التعرف إلى ماهيَّة النص- الوحي، نذهب إلى الدعوة الإبستيمولوجيَّة لسروش في فهم النص، اِنطلاقاً من الإبستيمولوجيا الحديثة، مدرسة كارل بوبر- إبستيمولوجيا الرياضيَّات. فإنه عَبرَ فهم جامد ساكن متخشب يأتي بجهاز مفهومي من كارل بوبر- وتوماس كون من أجل أن يوظفه في فهم ماهيَّة النص. ما هي ماهيَّة النص، وفقا لإبستيمولوجيا رياضية (من الرياضيات)؟ إنها ما يمكن أن يوضع داخل العقل، وفقاً لقوانين العقل القَبليَّة.إنَّ العقل إنَّما هو ماهيَّة النص؛ وما يجعل من ماهيَّة النص، اِنطلاقاً من إبستيمولوجيا رياضية، قائمة على العقل، إنَّما هو قوانين العقل الذي يمارس الرياضيات؛ أو قل إنَّه مهندس لا يمكن أن يذهب إلى الحقل من دون الخطة. إنَّ النصَّ إنَّما هو مُخطَّطٌ قبليَّاً، حتَّى قَبلَ أن يأتي إلى مستوى التَصوُّر. إنَّ ما يأتي من النص، أو ما يجب أن يأتي منه إلى ماهيَّة رياضية، إنَّما هو ما تريده الآيديولوجيا التي تختفي خلف إبستيمولوجيا الرياضيات. إنَّها آيديولوجيا مؤسسة العلم العالَميَّة.
(2)
يصطدم سروش بعقبة فهم الحُلم- الرؤيا، وعدم التوفُّر على التفاصيل الكاملة للأحلام، من جهة، وهو يجعل من الحُلم- الرؤيا نفسه أساس قيام الموضوع في فهم النص عنده، من جهةٍ أخرى. فكيف يحل هذا التناقض؟ إنَّه يلجأ إلى «خواب گُذارى» أي تفسير الأحلام. ويدعو إلى بناء مختبرات من مفسِّري الأحلام من أجل إعادة فهم- وتفسير النص؛ في غفلة صريحة منه، أن نظرية تفسير الأحلام في المعرفة الحديثة تقوم على أسس أربعة على أقل تقدير: I- وجود الشخص الذي كان قد حلم، II- التعرف إلى درجات الوعي لديه (من الإدراك، والفهم، والوعي بالأشياء المحسوسة وصولاً إلى اللا- وعي)، III- التعرف إلى ماضي الفرد وصيرورة وجوده المجتمعيَّة بعامَّةٍ، والعائلية بخاصَّةٍ، IV - ومِنْ ثَمَّ الإحاطة بالظروف الشخصية قَبلَ رؤية الأحلام.
(3)
فكيف يتعامل مع عدم التوفُّر على هذه الأسس، والعناصر الأساسيَّة لفهم الأحلام، وتفسيرها؟ يقوم ببناء فرضيات من خارج الموضوع، ومن خارج ما أسميته في موضع آخر حقل [موضوعيَّة- الموضوع] (أنظر: محمد حسين الرفاعي، ثُلاثيَّة الآيديولوجيا). بَيْدَ أنَّ ما هو جدير بالتساؤل عنه إنَّما هو هذا: كيف يمكن الولوج إلى أرضيَّة معرفية، من خلال صيرورة معرفية- فلسفية، تختلف، ماهويَّاً، عن أرضيَّة معرفيَّة كانت قد أتت إليها من الخارج: في الزمان، أو المكان؟ إنَّها عقبات النَّظر؛ عقبات الفهم. يخطأ «عبد الكريم سروش» كالغالبية الساحقة من المفكرين والباحثين والعلماء والفلاسفة والأساتذة الجامعيين في المجتمعات التي تتلقى المعرفة الفلسفيَّة والعلمية الحديثة من بلدان العلم في الغرب، في ممارسة المحطات الموضوعيَّة، والميثودولوجية الآتية:
(4)
لم يحدث التجسُّد في الإسلام. ولم يأتِ الله إلى مستوى الجسد. تقوم الأرضيَّة الأُنطولوجية للوعي في الإسلام، وفي المجتمعات التي تجعل من الإسلام أرضيةَ فهم العلم والفلسفة، على المعادلة الآتية: الله← جبريل← الوحي← محمَّد؛ أي من الله الذي في ماهيته يختلف أشدَّ الاِختلاف عن الإنسان- المُصطفى محمَّد. فيما، في المقابل، تقوم الأرضيَّة الأنطولوجية لمؤسسة العلم العالَميَّة- الحديثة على المعادلة الآتية: الله← اِبن الله (المسيح- أو يسوع الناصري). إنَّ الله، ههنا، يأتي إلى مستوى الإنسان عَبرَ اِبنه. إنَّه قد تجسَّدَ بوصفه محسوسًا. وهذا الخطأ- العقبة شائع كثيرًا في اِستخدام ثُنائيَّة [الكاثوليكية- والبروتستانتية]- لدى مفكرين عرب مؤسسين، من أمثال: محمَّد آركون- التي لا معنىً لها خارج صيرورتها المجتمعيَّة والتاريخيَّة التي أصبحت، بَعْدِيَّاً، بِنيويَّةً.
(5)
ما يقع، ويقوم، ويظهر، ويتبدَّى في المعرفة الحديثة، يقوم على أرضيَّة أنطولوجية هي فكرة الإنسان- بوصفه متوفِّراً على إمكان أن يكون إلهاً- خالقًا للوعي. إنَّ ذلك، إنَّما هو منسيٌّ في أدبيات معرفةٍ تريد أن تستخدم ما لا يرتبط بصيرورة أرضيَّتِها الأُنطولوجية على موضوعاتها التاريخيَّة. وهذا يجد أساسه الهرمنيوطيقي في أن الإنسان مُتألِّهٌ قَبلَ أن يأتي إلى الوجود حتَّى. في المقابل، أي في أُنطولوجيا الإسلام، لا معنى للإنسان الفرد، طالما أن الفرد المنفرد المتفرد الفريد ليس يمكن أن يتوفَّر على إمكان وجود، لأنَّ الله وحده يكون كذلك.
(6)
ضمن ثُنائيَّة [الموضوع- والمنهج]، بعد كارل بوبر، وتوماس كون، وبول فايرابند، لا يمكن أن يُقحم منهجٌ ما، من خارج ماهيَّة الموضوع، فيه. وإنَّ ذلك يرتبط بأسس فكرية- منطقيَّة، إبستيمولوجيَّة بعامَّةٍ، ترتبط بحقل موضوعيَّة الموضوعِ الفلسفي والعلمي، أي بذاك الحقل الذي يُمَوضِعُ الموضوعَ في الأمام على أنَّه موضوعٌ يُقدِّمُ نفسه من ذاتِه، وهي تتعالق مع جملة التصوُّرات القَبليَّة التي من صيرورة الموضوع ذاته، بخاصَّةٍ، وليس من صيرورة أي موضوع آخر.
(7)
يُبنى حقل [موضوعيَّة- الموضوع- الفلسفي (أو العلميّ)] على بداهات إبستيمولوجيَّة نتجت عن ديالكتيك سابق إلى الموضوع هو ديالكتيك الموضوع والمنهج، في التناول الأصليّ للموضوع، الذي (الديالكتيك في صيرورة الموضوع) يسبق تناوله.
أي بواسطة أخذه عَبرَ المفهوم، وبنيته، وتكوينه. لذا، فإنَّ قداسة المقدس، سوسيولوجيَّاً- وإبستيمولوجيَّاً، لا ترتبط بالميتافيزيقي- الميثولوجي، بل بإجماع المجتمعيّ على المقدَّس. فحينما يُؤخَذُ المقدس من جهة كونه، في منبت ماهيَّتِهِ، خارجَ بشريٍّ، فإنَّ وَضْعَ البشري داخله، عَبرَ ضروب الأنسنة، وقد أُخِذَت من ماهيَّة مقدس آخر، لا علاقة له بالموضوع موضعَ التَّساؤل والمساءَلة، يُصبح ضربًا من ضروب العنف المعرفي على ماهيَّة
الموضوع.
ولكن، بعد هذا، ما الذي تدرسه، في الدِّين، والمعرفة الدينية، والتديُّن، المعرفةُ الفلسفيَّة والعلمية الحديثة، أساساً؟ ومن بَعدُ، كي تتساءل عنه، تتفكر به، تفهمه في إطار التجربة الوجودية التي تخصُّ أننا نكون، وتحاول أن تبني فهماً به؟.