تحرير: حسين الناصر
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
يضم العراق، عشرات الجامعات والكليات الأهلية التي تُخرِج سنوياً عشرات الآلاف من الطلبة بمختلف الاختصاصات والفروع العلمية، فيما يرى أكاديميون وأساتذة جامعيون ضرورة وضع قوانين صارمة وشروط ملزمة من أجل الحفاظ على رصانة التعليم الجامعي في البلاد.وتعمل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، على مراقبة التعليم الجامعي الأهلي عبر تشكيل لجان مراقبة تُعنى بمتابعة الالتزام بالقوانين والشروط التي تحكم الجامعات والكليات الأهلية للحفاظ على الرصانة العلمية، فيما تواصل مساعيها لتخفيض الأجور في التعليم الأهلي مراعاة لذوي الدخل المحدود من الطلبة.
تخفيض أجور التعليم الأهلي
ويقول مدير عام التعليم الأهلي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حسين علي حميد، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تعمل على مراعاة ذوي الدخل المحدود وطالبت الجامعات الأهلية بتخفيض الأجور لما تصل نسبته الى 20% من حجم الأجور خلال العام الدراسي".
وأضاف حميد، أن "الأجور انخفضت كثيراً مقارنة بالعام الماضي في كثير من التخصصات العلمية في ظل التنافس بين الجامعات الأهلية، كما عملت الوزارة على أخذ منح دراسية مجانية سنوية تصل الى 3 آلاف منحة من الجامعات والكليات في الاختصاصات الطبية ذات الأجور المرتفعة"، مبيناً أن "الوزارة توفر سنوياً هذا العدد من المنح المجانية للجامعات والكليات الأهلية".
لجان كشف لمراقبة التعليم الأهلي
وفي ما يتعلق باتهام الجامعات والكليات الأهلية بمنح درجات للطلبة دون استحقاقهم، أكد حميد أن "هذا الأمر نادر الحصول ومن يقوم به يتعرض للعقوبة الشديدة"، مشيراً إلى أن "الوزارة تراقب التعليم الأهلي بكل مفاصله وتقوم بنفس العمل في الجامعات الحكومية ايضا".
ولفت إلى أن "الوزارة تعمل على ترصين الجامعات الأهلية وتوفير القاعدة العلمية وهناك منافسة، ولدينا طلبة تخرجوا من الجامعات الأهلية هم حملة للشهادات العليا ومتفوقون على اقرانهم من الجامعات الحكومية"، مؤكداً أن "هناك لجان كشف تراقب عمل الجامعات الأهلية فضلاً عن وجود التسجيل الإلكتروني حيث يكون الطالب مثبتاً في سجل خاص به في الوزارة ولا يمكن التلاعب فيه".
آلاف الخريجين سنوياً بلا تعيين
ويقول الاستاذ الجامعي عمار الجنابي، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "العراق شهد بعد 2003 تحولاً في رؤيته الاقتصادية وفي سياسته المالية في ادارة الدولة، فكان أول مظاهر هذه السياسة هو التحول من القطاع العام الى القطاع الخاص وتفعيل الاستثمارات الخارجية منها والداخلية بغية تخفيف العبء عن كاهل الدولة التي أديرت سابقاً برؤية اشتراكية تهيمن على مفاصلها الدولة بالكامل سواء أكانت المؤسسات قطاعاً عاماً ام خاصا".
وأضاف الجنابي، أنه "نتيجة لهذا التحول أتيحت فرصة الاستثمار لرؤوس الأموال العراقية في قطاع الصناعة والزراعة والصحة والتعليم وغيرها، إذ شهد العراق خلال عقدين من الزمن فتح مئات الجامعات والمدارس الأهلية مقابل إهمال واضح جعل القطاع العام غير مواكب للتطورات ونتيجة لذلك شهد القطاع الاهلي وبالاخص التعليم العالي في الجامعات الاهلية اقبالاً واسعاً من قبل خريجي الاعدادية مقارنة بالجامعات الحكومية".
وتابع: "ولعل تدني معدلات القبول في الجامعات الاهلية كان سبباً اضافياً في اقبال الطلبة على المجموعة الطبية والهندسة وغيرها من الاختصاصات المميزة او النادرة، الأمر الذي انتج فجوة كبيرة بين معدلات القبول في القطاع التعليمي حتى قيل إن الشهادات الجيدة أصبحت لطبقة غنية قادرة على أن تغطي نفقات دراسة ابنائها في هذه الجامعات".
ولفت إلى أن "هذا التفاوت شكل من اشكال عدم العدالة وعدم تساوي الفرص بين الطلبة وهو أمر يجب أن تنظر له الدولة وتشرع له القوانين لضمان العدالة والمساواة التي تعد شرطا للمواطنة كفلها الدستور"، موضحاً أنه "بالرغم من ايجابية وجود قطاع خاص يدعم القطاع العام وهو أمر معمول به في كل العالم إلا أن الدولة لم تستفد من تنامي واتساع هذا القطاع في الجانب التعليمي".
وبين أن "عبء التعيينات بقي يثقل كاهل الدولة ولم تشرع قانوناً يلزم هذه الكليات بتعيين نسبة من الخريجين على الملاك الدائم لاستيعاب الاعداد المتزايدة من الخريجين"، متسائلاً بالقول: "فما الجدوى أن نخرج سنويا آلاف العاطلين عن العمل؟".
مقترح أكاديمي لاستخدام النموذج الهندي
أما الاستاذ الجامعي، نزار السعيدي، فيقول لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "التعليم الأهلي في المجال الأكاديمي سواء جامعات أو معاهد مرخص منذ فترة طويلة لكن بشكل محدود في عهد النظام المباد وعلى اختصاصات معينة كالقانون واللغة الانكليزية والحاسوب الى آخره".
وتابع السعدي أن "السنوات الأخيرة شهدت نتيجة النمو السكاني تخرج دفعات كبيرة من مخرجات التعليم الثانوي لا تستطيع المؤسسات الأكاديمية الحكومية استيعابها ومواكبة ذلك من خلال بناء واستحداث جامعات جديدة نتيجة للظرف الاقتصادي الذي يمر به البلد من محاربة عصابات داعش الإرهابية وهبوط أسعار النفط".
وأوضح أنه "لحلحلة هذا الأمر واستيعاب مخرجات التعليم الثانوي وعدم ضياع مستقبل طلبتنا تم منح العديد من الإجازات لفتح الكليات والمعاهد الأهلية التي وضعت لها ضوابط ورقابة تامة من قبل الوزارة للحفاظ على الرصانة العلمية وجودة مخرجاتها"،
وبين أن "الكليات الأهلية سواء كانت ممولة من أحزاب أو تجار أو شركات أو مؤسسات دينية تخضع جميعها للضوابط، وما نسمع من إرهاصات هنا وهناك تتم معالجتها وفق اللجان المختصة التي تشكل لمعرفة تلك الارهاصات، وهي مسألة طبيعية تحدث ايضاً في المؤسسات الحكومية".
ونوه إلى أن "التعليم الأهلي في البلدان المتطورة أيضاً يتم تمويله من شركات وأحزاب وتجار ومؤسسات دينية لكنها جميعاً تخضع للضوابط الموحدة التي تصدرها الجهات المشرفة على مخرجات التعليم".
وأردف بالقول: "نحن لدينا رؤية لحلحلة بعض ما يؤخذ على التعليم الأهلي ووقوعه تحت تأثير المال أو السياسة ألا وهو استخدام النموذج الهندي حيث مرت الهند بنفس الاشكاليات والصعاب فاستخدمت نموذجاً تكاملياً بين الجامعات الاهلية والحكومية، حيث تؤسس جامعات أو كليات أهلية تحت إشراف الجامعات الحكومية ويتم تحديد المنهج والإشراف على وضع الأسئلة وتصحيح الدفاتر الامتحانية من قبل الجامعات الحكومية فيكون واجب الكليات الأهلية فقط توفير البنايات ومستلزماتها وتوفير الكوادر التدريسية، أما الامتحانات ومتطلباتها والشهادات فهي تمنح من الجامعات الحكومية وبذلك يكون الجميع مراقبا والشهادة تكون متساوية للجميع، على سبيل المثال جامعة ميسور الحكومية الهندية تشرف على أكثر من 300 كلية أهلية".
دعوة لإخضاع التعليم الأهلي لمعايير الجودة
بدوره، يقول الاستاذ الجامعي محمد رشك، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "نظام التعليم الاهلي في العراق لم يبن بصورة صحيحة وعلمية، ووجوده أصبح يثقل كاهل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وذلك من خلال الأسس التي بني عليها هذا النظام والتي تعد أسساً غير صحيحة"، مضيفاً: "جميعنا يعرف أن نظام التعليم الأهلي يكون سانداً للتعليم العمومي أو التعليم الحكومي وبالتالي يكون له نوع من التخطيط الاستراتيجي لمخرجات هذا النظام بحيث يتلاءم مع متطلبات سوق العمل".
وتابع رشك: "نلاحظ كثرة الإجازات للكليات الأهلية وبعض الأحيان تكون كليات غير مجازة، هذه الكليات تخرج لنا هذه الأفواج الكبيرة من الاختصاصات التي لا تجد لها فرصة عمل في السوق العراقية وبالتالي تثقل كاهل سوق العمل العراقية لأن هناك أفواجاً كبيرة من الخريجين العاطلين عن العمل، وهذا ما نلاحظه في الآونة الأخيرة حيث كثُرت التظاهرات والاحتجاجات من قبل الخريجين للمطالبة بفرص العمل".
ولفت إلى أن "أكثر الكليات والجامعات الأهلية أنشئت على أساس كونها مشروعا استثماريا وليس مشروعاً سانداً للتعليم في العراق، لذلك نلاحظ أكثرها يكون همها الأول والأخير هو الكسب المادي إذ يعد مشروعاً ناجحاً لكن مخرجاته بائسة وتؤثر على الخطط والبرامج التي تضعها وزارة التعليم العالي في هذا المجال".
وأكد أن "وزارة التعليم العالي هي المسؤولة عن هذا الموضوع لأنها هي من تضع الشروط والالتزامات والضوابط التي تبنى عليها هذه الجامعات، ولكن عند الاطلاع على هذه التعليمات والقوانين التي وضعت للتعليم الاهلي تتفاجأ بأن الكليات والجامعات الأهلية تفتقر الى أبسط عناصر الجودة وهو ما جعلها تسبب كارثة حقيقة في العملية التعليمية".
وأشار إلى أن "هناك مستويات متدنية من خريجي هذه الكليات إذ تلاحظ خريج لغة عربية وهو لا يجيد حتى النطق بها، وخريج قانون وهو لا يفقه بمبادئ القانون الدولي أو أي قانون من قوانيننا السارية، وبعض الجامعات تخرج أعداداً كبيرة من خريجي كلية القانون يعادل خريجي الكليات الحكومية في العراق كافة من دون تخطيط".
وشدد على أن "هذا الموضوع يحتاج الى وقفة جادة وإخضاع الكليات والجامعات الأهلية إلى معايير الجودة"، مشيراً إلى أنه "في حال حصول ذلك سنلاحظ كثيراً من هذه الكليات والجامعات ستغيب من القائمة لعدم توفرها على أبسط شروط الجودة".
الحاجة لتشريع قانون رادع للجامعات الأهلية المخالفة
يقول الاستاذ الجامعي، محمد بهجت ثامر، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "التعليم في العراق بعد أن كان يعد نظاماً من أفضل انظمة التعليم في الشرق الاوسط سابقاً لم يعد كذلك والدليل أنه لم يدخل العراق مؤشر دافوس"، موضحاً أن "الأسباب عديدة لكن الرئيس منها هو فتح الجامعات الأهلية دون تخطيط مسبق وعدم مراعاة سوق العمل وقبول طلبة دون معدلات الدراسة الصباحية بكثير، وأن الهدف من فتح هذه الجامعات الاهلية هو اقتصادي لجلب الاموال بعيدا عن الجودة العلمية".
واقترح ثامر، أن "يتم وضع قوانين صارمة للحد من هذه الجامعات الأهلية بمنح إجازة فقط لمن يلتزم بهذه القوانين مع تشريع قانون رادع بإغلاق هذه الجامعات وعدم الاعتراف بالشهادات التي تمنحها، وبالتالي ستبقى الجامعات الأهلية الرصينة فقط التي تراعي القيم والأعراف الجامعية".