لم يعد التعافي المؤقت لأسعار النفط يثير شهية مهندسي الموازنات المالية العامة في سبيل تحسن الوضع المالي للبلد، بعد أن عانى من ازمات مالية خانقة كثيرا في الآونة السابقة، تحت هامش تفشي فيروس كورونا، الذي ألحق أضرارا فادحة في مجمل النشاط الاقتصادي والتجاري العالمي
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لا سيما سوق النفط، ومن الطبيعي أن يتأثر العراق ذو الاقتصاد الريعي الاحادي بذلك، فلا يعد ذلك التعافي النسبي مصدرا ماليا موثوقا ومريحا، كونه جاء بشكل مؤقت قابل للانحدار السريع، ومن المفروض أن يؤهل الاقتصاد العراقي لتجاوز المحن التي مر بها، نتيجة تذبذب أسعار النفط هبوطا في السوق العالمية. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى، إن هذا التعافي ربما لن يكون مستمرا للمدة الكافية للوصول الى تلك العتبة الكافية كما كان في السابق وقبل تدهور أسعار النفط التي يبدو أنها لن ترجع الى عهدها (الانفجاري) السابق، حين يكون البرميل في مقدوره أن يغطي جميع الفعاليات الاقتصادية كما ينبغي ذلك وضمن الاقتصاد العراقي المبتلى بالريعية منذ زمن بعيد.
بالمقابل ربما ان ذلك التعافي في الاسعار قد لا يكون بمقدوره أن يستوعب مواطن الاختلال الذي سبّبها تدهور أسعار النفط في الموازنات المالية في السنين الفائتة او التقليل من نسب العجز الكبير فيها، اذ تبقى التحديات امام تلك الاسعار كبيرة مثل تأسيس مشاريع استثمارية وستراتيجية تقوم بتنويع الاقتصاد وابعاد شبح الريعية عنه وتقليل احتكار النفط قدر الامكان، كاستثمار الغاز وبقية الموارد الاقتصادية الاحفورية، فضلا عن تأسيس شراكة وثيقة بين القطاعين الخاص والعام لتنويع الفعاليات الاقتصادية بأنواعها، لتدخل مباشرة في مضمار تقليل الاعتماد شبه الكلي على النفط. ولكن هذا يحتاج الى استثمار كامل للموارد المالية والثرواتية، اضافة الى البشرية وهو ما يتطلب ادارة رشيدة وخبرة اقتصادية عميقة مع ضرورة تحسين الواقع الاستثماري من جميع نواحيه، وهذا الامر ليس مستحيلا ولكنه يتطلب جهودا كبيرة ووقتا طويلا وصبرا أطول.
ولهذا لم يعد التعافي النسبي لأسعار النفط محل ترحيب كبير، فالتوازن والاعتدال في الانتاج والتصدير على اسواق النفط، يجب أن يخضع للعقلانية لضمان حقوق الجميع من منتجين ومستهلكين، افضل من أن تتجه الأسعار الى مستوى لا يمكن السيطرة عليه من الارتفاع المفاجئ، او الانحدار السريع المربك في الاسعار ما يعرّض الاقتصادات الريعية الى صدمات غير متوقعة وغير آمنة كما حدث في العراق.
تعافي أسعار النفط مؤقت بسبب تذبذب الخزين الستراتيجي العالمي نفسه، فلا شيء مفرحا في المسالة، ما دام مؤقتا وغير منضبط اساسا، لذا يجب أن يخضع النفط الى سياسة انتاج وتصدير متوازنة عقلانية وتوازن حقيقي يخدم جميع الأطراف الداخلة في هذه اللعبة .