يرتبط نبات الآس أو الياس كما يطلق عليه العراقيون، بأغلب المناسبات السعيدة والحزينة، وتجتمع أغلب العائلات باختلاف معتقداتها وطوائفها على جعل أغصان ذلك النبات أساساً في مشاركته بطقوسها.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وسبق أن تزينت الأحياء السكنية في بمختلف المدن، بزراعة أشجار الآس وتميزت بالعطور الفواحة التي تحيط بشوارعها، إلا أن طبيعة تبدلات نمط الحياة في المجتمع، سرعات ما أججت ملامح الاستغناء عن زراعة تلك الاشجار.وقالت المهندسة الزراعية في أمانة بغداد شذى محمود لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "نبتة الآس عرفها العراقيون منذ القدم، وهي عبارة عن شجيرات دائمة الخضرة وتنمو في الأماكن الرطبة والظلية، ويعتبر حوض البحر المتوسط والعراق هو الموطن الأصلي لهذا النبات، ويحرص البغداديون على تزيين حدائقهم وتسويرها بشجيرات الآس، وحتى في المنازل الشرقية القديمة كان حوش الدار يحتضن شجيرة الياس مع النخلة وشجرتي الرمان والنارنج".
بينما أكدت المواطنة رجاء ياسين أن "الاحياء السكنية في السابق كانت تتميز بشجيرات الآس بشكل ملفت للنظر، فضلاً عن رائحة تلك الشجيرات والهواء العليل الذي كان يحيط بها، إلا أنه مع تغير أنماط الحياة في المجتمع العراقي وارتفاع اسعار العقارات استبدل أغلب السكان، الحدائق المنزلية بأسوار من الطابوق والكونكريت وبناء غرف أو مشتملات ملحقة لمنزلهم".
وأضافت أن "جميع المناسبات السعيدة والحزينة يستخدم فيها اغصان الياس، ففي الأفراح وخاصة خلال عقد القران يتم تقديم العروس بأناء من الماء وأوراق الياس، فضلا عن صينية زكريا ويشترط أن تكون بالجرار الفخارية وتحيطها الشموع واغصان الياس، بالاضافة الى أن اعياد الربيع تتزين الموائد بهذا النبات، ويرتبط ايضا وجوده في المناسبات الحزينة فيتم توديع الموتى الى مثواهم الاخير بماء الورد واغصان الياس".
من جانبها افصحت المدرسة أليس منصور، أنها "ما زالت تحتفط بشجرة الآس والتي يقارب عمرها المائة عام، حيث قامت والدتها بترقيد غصن من شجرة الآس في العام 1945 وحرصت كل الحرص على أن تعمل من اغصانه أكاليل تضعها عند قبر والديها عند زيارتهم في كل مرة، وورثت تلك العادة منها حيث تقوم منصور، بتزيين قبر والدتها من اغصان صنع يدها شجرة الياس نفسها".
وتابعت: "في السابق كانت جميع المنازل تحتوي على شجيرات الآس، أما الآن فأكاد أجزم أن بيتي هو الوحيد في المنطقة الذي أعيش فيه يحافظ على تلك الشجرة"، مشيرة الى أنها "تشارك موائد الجيران من خلال قطف أغصان الياس وتقديمها لهم في مناسباتهم".
بدورها أفادت المواطنة إسراء صلاح، بأن "عائلتها تسكن في مجمع سكني بالقرب من مقام خضر الياس ببغداد، واعتادت عند زيارتهم، الذهاب الى مقام الخضر واشعال شمعة وتطويفها بنهر دجلة من خلال كربة من النخل وغصن الياس"، مبينة أنها "عادة أهالي المنطقة وخاصة في شباط كل عام عيد سيد الخضر".
وأوضح الباحث والآثاري سلام طه، أن "العراقيين يستخدمون نبتة الآس في مناسباتهم باختلاف عقائدهم وأديانهم وأصولهم، حيث يعتبر مقام خضر الياس ببغداد أهم معلم يزوره أغلب العراقيين، والمميز في الموضوع أنه في نفس المكان وعلى بعد عدة أمتار، تم خلال 1975 بناء جسر باب المعظم واكتشاف آجرات بابلية، بما يشير الى أنه مزار للإله (أنكي) إله المياه في الديانات البابلية القديمة، وقد نشر الآثاري بهنام أبو الصوف تقريراً مفصلاً عنه نشر في مدونته لاحقاً".
وأضاف أن "تلك الاكتشافات تبين أن نبتة الآس كانت متوفرة في تلك العصور واستخدمت في وادي الرافدين منذ القدم".
وتحدثت المواطنة من الطائفة المندائية، نادية حمدان، أن "نبتة الياس تدخل في معظم مناسباتهم، حيث يتم عمل حلقة منه ويطلق عليها (إكليلة) وتوضع على خنصر اليد اليسرى في تعميد الطفل، وبعدها يتم وضعها تحت غطاء الرأس أثناء طقوس التعميد، حيث يتم تلبيس الطفل ملابس خاصة مصنوعة من الخام الخشن والذي يسمى (رستة)، ويتم في نهاية التعميد وضع الحلقة (إكليلة) في الخنصر الأيمن، ويرسم العلم الديني (الدرفش) في أعلى الإكليلة".
من جانبه قال المهندس الزراعي غسان عباس: إن "بغداد أصبحت اليوم تفتقر لشجيرات الياس وحل محلها شجيرات الأكاسيا خاصة وأنها ترتفع بسرعة شديدة وتمتاز بمقاومتها للعطش، إلا أنها تضر بالأبنية المجاورة لها".
ودعا "العائلات العراقية إلى العودة لزراعة أغصان الياس والاكثار من شجيراتها، كونها لا تمثل أي خطر على البناء والأسطح، فضلاً عن رائحتها العطرة الزاكية".