د. باسم محمد حبيب
منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي والجنوب يعاني من الإهمال والتجاهل من جانب الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، ليس فقط في العهد الملكي بل و حتى بعد سقوط الملكية في 14 تموز 1958، وزيادة الموارد المالية التي تصل إلى الخزينة بفعل تطور إنتاج النفط وتحسن أسعاره، إذ لم تستطع المشاريع التي أقيمت به في بعض الفترات في أن تقلص الفجوة التي تفصله عن المحافظات الأخرى التي تفوقه تطورا في مجالات عدة؛ مما أدى إلى أن يبقي مستوى التطور في الجنوب دون مستواه في المحافظات الأخرى.
وهذا الحال لم يتغير كثيراً للأسف حتى بعد عام 2003 الذي شهد ولأول مرة وصول مسؤولين من الجنوب إلى المراكز العليا في الدولة وحصول ممثلي الجنوب على نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان الذي جعل أبناء الجنوب يتوقون لواقع أفضل ويأملون في تحسن أحوالهم وظروفهم و أن يحظى الجنوب بشيء من الاهتمام بعد أن حرم منه مدة طويلة، إلا أن أمالهم ذهبت أدراج الرياح بعد أخذ السياسيون من أبناء الجنوب بالتملص من الوعود التي أطلقوها والتعهدات التي قدموها للناس بأن التغيير آت وأن الحرمان ولى إلى غير رجعة.
لكن معاناة الجنوب لم تقتصر على قلة إعماره وسوء خدماته وتهالك بناه التحتية وفقر ناسه وأنتشار البطالة بين شبابه بل شمل أيضاً التفريط بحقوق، إذ جرى التجاوز على ثرواته وأمواله وحصصه من المشاريع لتحقيق هدف سياسي معين أو لضمان منصب أو مكسب لهذا الطرف أو ذاك، إذ بات هذا الأمر قاعدة عامة لمن يروم تحقيق طموحاته وتوسيع نفوذه.
وبالطبع فإن التفريط بحقوق محافظات الجنوب الذي يشمل الاستغلال العشوائي لثرواته والتقصير في ضمان ما يحتاجه من مشاريع إعمار وخدمات يتحمل وزرها بالدرجة الأولى مسؤولوه وممثلوه، لاسيما في الوقت الحاضر الذي لم يعد للجنوب فيه الحق في الشكوى من تهميش سياسي أو من قلة في أعداد ممثليه في البرلمان ومسؤوليه في الحكومة، لأنه حتى مع مطالبة بعض القوى بحقوق إضافية لها أو لمكوناتها وقاعدتها الجماهيرية، فهذا لا يعني أنهم مسؤولون عن سلب هذه الحقوق من مكونات أو قاعدة جماهيرية أخرى، بل إن المسؤولية يتحملها ممثلو المكونات والقاعدة الجماهيرية التي جرى التنازل عن حقوقها ، لأنهم ضحوا بحقوق مكوناتهم بدل التضحية بأمور أخرى أقل أهمية كالمناصب والامتيازات الخاصة بهم وما إلى ذلك أخرى .
ومن ثم لا يجب علينا نحن أبناء هذه المحافظات المسلوبة حقوقها أو كعراقيين أن نقبل بهذه المعاملة غير العادلة، لأن العراق ملك الجميع ومن حق الجميع أن يتساووا فيه فيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وأن يشمل ذلك استغلال الثروات وتوزيع الواردات وضمان مشاريع الإعمار وتطوير الخدمات .