يمرون بقربنا ويجازفون، يسرقون اللحظة ويسابقون الزمن غير آبهين بالحوادث إن صادفتهم، أو وقعوا ضحيتها، أو أوقعوا غيرهم بها، المهم عندهم المجازفة والمخالفة، هم كالشياطين والخفافيش، هكذا يصفهم الناس عابثين، شوهوا منظر المدينة العراقية، لوثوا مدنيتها وتجاسروا على حضريتها، وعبثوا بهدوئها
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
في الطرقات السريعة التي تعاني في غالبيتها من حفر ومطبات وتموجات، هي شوارع أغلب المدن العراقية، والعاصمة بغداد على وجه التحديد، ونادرا ما يصادفنا شارع نظيف، خال من الحفر والمطبات يجعل مسير السيارات ينساب بشكل طبيعي، وفضلا عن هذه المعوقات المرورية على الأرض، فانه في أوقات الليل يواجه سائقي السيارات معضلة الظلام، والاختناقات المرورية وتضاف الى ذلك فان معضلة باتت تستفحل تدريجيا، لتفرض واقعا جديدا ينم عن حالة سلبية ابتعدت جراءها العاصمة بغداد عن سمة التحضر، تلك هي صورة الدراجات النارية التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وأربكت حركة السير وزادت من مؤشرات الحوادث المرورية بنسبة عالية بحسب احصائيات حوادث المرور.ان العواصم والمدن بالعالم بطبيعة الحال تتطور فيها مع الزمن أنماط الحياة على الدوام، من حيث انضباط حركة السير، وتوافر خدمات الشوارع ونظافتها، وفق خطط بلدية ومرورية متقدمة غايتها الأساسية التقليل من نسب الحوادث التي تحصد أرواح الناس بشكل يومي، وقد لا نجد مثل هذه الصورة السلبية سوى في العراق والعاصمة الهندية «دلهي»، التي تعج بفوضى حركة الدراجات النارية وأصوات المنبهات المزعجة مع ما تفرزه من مضايقات، وحوادث سير تزهق فيها الأرواح، والاختلاف بين العراق والهند، أن الأخيرة منذ عقود من الزمن تشتهر بمشهدية الدراجة البخارية، بخلاف الوضع في العراق، لا سيما بغداد التي كانت تتميز عبر تاريخها بأسلوب حياة حضارية ومدنية جميلة، ومنظر الدراجة يكاد يكون نشازا فيها، الا أنه في السنة الأخيرة فمنظر الدراجات النارية، وصوت المنبه (الهورن) أخذ يزعج اسماع الناس بضجيج غير مألوف، ومجازفات سائقيها عندما يشكلون مواكب في مسيرات جماعية تنافس السيارات وتربك حركتها وينجم عنها مضايقات وحوادث.
فالأمر لم ينته عند هذا الحد، بل انتقل الى ابتكار عمل جديد، اسمه « خدمة توصيل « من المطاعم، وبالرغم من كونها خدمة توفر على الأسر سهولة الحصول على الطعام دون عناء السفر، وتشكل مصدر رزق للشباب العاطلين عن العمل من ضحايا أحزاب السلطة منذ 20 عاما تقريبا، لكنها حالة جديدة جعلت شوارع بغداد والمدن العراقية، الأخرى وكأنها شوارع دولة متخلفة، ليس العراق الذي تغنى به شعراء، ورؤساء دول في بناء نظام مدينة نموذجي يشبه العاصمة بغداد، للأسف شوارعه العراق بالوقت الحاضر تعج بـ» الستوتا» و{التك تك» وكروبات من الدراجات النارية، أنها معضلة جديدة تضاف، أمام سائقي السيارات الذين يعانون تردي واقع الطرقات الداخلية والخارجية. وحيال ذلك زادت عمليات انتقاد المواطنين للحالة غير المألوفة، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الوفيات من جراء الحوادث التي يسببها سائقو الدراجات النارية، فبعض الناس يطلقون عليهم بالشياطين والخفافيش، ومسميات عدة.
فهل من خطوة حضارية تخطوها امانة العاصمة والمحافظين مع مديرية المرور العامة لإعادة صورة المدينة العراقية الحضرية؟
كاتب وأكاديمي