يصل جثمان قحطان المدفعي أحد أهم رواد العمارة العراقية والعربية الحديثة لأرض الوطن، مساء يوم غد الخميس، والذي توفي في الخامس من تشرين الثاني الجاري عن عمر ناهز 95 عاما في العاصمة اليونانية أثينا.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ومن المقرر أن يشيع جثمان الراحل الكبير الذي عرف أيضاً بكونه فناناً تشكيلياً، في العاشرة من صباح يوم الجمعة المقبل من جامع آل بنية بمنطقة العلاوي وسط وبغداد، وهو الصرح الذي صممه المدفعي ذاته وعرف عنه كذلك تصاميمه وصروحه المعمارية التي أزدانت بها شوارع بغداد ومحلاتها وبلداتها ومن بينها جامع آل بنية.
وتقول دائرة الإعمار الهندسي في بغداد، إنه "التصميم الذي يمكن إدراجه ضمن أفكار النظرية النسبية لأسباب عديدة منها رفض السطوح المستوية بزاوية 90 درجة، إضافة الى إستخدام مفهوم القوس المتحرك ليظهر لنا الشكل متناسبا ومعبرا عن العمل في رؤية كلية شاملة".
وجامع بنية بتصميمه المعروف لخص ربما اهتمام المدفعي بموضوعة التاريخ والتعامل الذكي معها، حيث إن استخدامه لمادة السيراميك ذات البعد التاريخي، واستعملها البابليون في أكساء بنيانهم، تمثل بحسب الباحث عامر هاشم الصفار، إرادة المدفعي في تحقق استمرارية التاريخ وتواصله عبر الزمن.
ولد قحطان المدفعي في عائلة علم وفن وأدب حيث كان والده من المولعين بالرسم، كما كان عمه زيد محمد صالح فنانا، وبدأ المدفعي دراسته الأولى في بغداد ليواصل دراسته الجامعية في الهندسة المعمارية في جامعة ويلز البريطانية وفي مدينة كارديف بالذات (عاصمة ويلز بعد ذلك)، وما أن تخرج من الجامعة حتى سارع بالعودة لأرض الوطن وذلك عام 1952.
في حينها، فوجيء المهندس المعماري الشاب قحطان المدفعي بأن تصميمه لدور موظفي مصفى الدورة قد حصل على الجائزة الأولى مناصفة مع المهندس المعماري جعفر علاوي، وذلك بعد فترة وجيزة من عودته للعراق مما أعطاه زخما للعمل أدى الى انطلاقة غير مسبوقة بروح الإبداع، فكانت فكرته أن يقوم بتصميم بناية لجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين وذلك عام 1956 حيث استوحى تصميمه من فكرة الخيمة العربية.
ويروي الراحل في لقاءات إعلامية سابقة كيف تعاون مع عمه زيد محمد صالح في جلب خرائط تخص فرنا للسيراميك والخزف، حيث تم بناء هذا الفرن في معهد الفنون الجميلة ببغداد واستخدمه الفنان الراحل فائق حسن وآخرون.
وكان الفقيد المدفعي من مؤسسي نقابتي المهندسين والفنانين العراقيين، إذ كان من المولعين بالرسم والفن عامة وقراءة وإبداع الشعر حتى وصل به الأمر لأن يكون عضوا مؤسسا لنقابتين يراهما البعض قد لا تلتقيان.
لكن الفنان المعماري كان له رأي آخر عبر عنه عمليا فكانت له لوحاته التي شارك فيها في معرض الفن التشكيلي العراقي في عام 2001 على قاعة دجلة ببغداد والتي أبهرت الحضور وأثارت الاهتمام كما كان دائما يحدث فور عرض أعماله.
وتقول مصادر العمارة العراقية أن المدفعي كان قد فاز عام 1957 وبالاشتراك مع معماريين عراقيين من أمثال الراحل عبد الله إحسان كامل في مسابقة معمارية لتصميم مصرف الرهون في شارع الملكة عالية أو شارع الجمهورية ببغداد، حيث اعتبر المبنى حينذاك بمقياسه الهندسي الضخم واحدا من الحوادث المهمة في المشهد المعماري العراقي، كما أنه امتاز بلغة معمارية صافية ومقنعة في مفرداتها.
وتقول المصادر أن مبنى مصرف الرهون قد تمت تجزئة مبناه الإداري الى كتلتين مختلفتين في السعة ومتصلتين فراغيا حيث عد من التصاميم التكوينية الرائدة في مجالها.
عن العمارة والإنسان قال الراحل ما يوصف بأنه غير قابل للنسيان: "العمارة بعد نصف قرن من ممارستي لها انتقلت من ممارسة سلفية عادية مألوفة متوارثة إلى عالم الحياة، بل هي صنوه وتوأمه، فلا إنسان بدون عمارة ولا عمارة بدون إنسان".