ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
عندما كنا في الريف، كانت المدرسة هناك، على بساطة صرائفها القصب، تمارس دورا تربويا مركّبا، اكتشفنا اهميته لاحقا.فالعلاقات الاجتماعية في الريف تقوم على قيم موروثة، اغلبها سيئة من دون شك، مثل التعصب للعشيرة والعراك العبثي بين فتيان القرى المتجاورة.. الخ.
وحين دخلنا المدرسة اصبحت لنا علاقات {اجتماعية} بمذاق جديد وباتت تفاصيل ممارساتنا اليومية تختلف عما جبل عليه من سبقونا، حيث انصهرنا مع ابناء القرى والعشائر الاخرى في ميدان واحد، واصبح اهلنا يسموننا {المدرسجّية} في اشارة الى تخلّقنا بأخلاق مختلفة، يتحسسون رقيها لكنهم شبّوا وتصلّبوا على ممارسات غيرها.
لقد كانت المدرسة مؤسسة اولية انطلقت منها العلاقات المدينيّة من داخل القرى، فالتنافس فيها بين الصغار يكون على تحصيل الدرجات الاعلى في الدروس وكذلك في الرياضة بالوانها المتعددة، حيث كانت تقام المهرجانات والاستعراضات السنوية، اضافة الى الاصطفاف اليومي والاناشيد الوطنية ورفع العلم، وتأثير هذه اللمسات في وجدان الصغار وبنائهم وطنيا.
السطور اعلاه كانت مفتتحا لردي على سؤال لصديق جمعتني به جلسة خاصة قبل ايام، وكان متذمرا من تفشي اللا مدنيّة في العراق.
واكملت الإجابة لصديقي قائلا: ان وجود مصلحة نقل الركاب سابقا وقطع التذاكر عند الصعود، لمسة مدنيّة، والامر كذلك مع دخول السينما والمسرح وغيرها، ووجود العمال، وان كانت مستوياتهم التعليمية بسيطة، في اي مصنع، وتعاطيهم مع القانون بشكل يومي، ليس بوصفه سيفا مسلطا على رقابهم، بل انساق يومي للتعامل مع مفردات واقعهم المهني والاجتماعي هناك، وكذلك عبور الشارع من اماكن العبور وانتظام العمل التجاري بعيدا عن فوضى البسطات والنشاط العشوائي، يعكس معنى المدنيّة التي نفتقدها منذ عقود، وان عودة هذه اللمسات رهينة بعودة العقل المدني الذي يقود البلاد مع ضرورة وجود ادارة منظمة للاقتصاد، لأنه يعني عودة الحيوية لجميع مؤسسات الدولة وفعاليات المجتمع المختلفة، فبدون ادارة جيدة لاقتصاد اي بلاد تبقى متخلفة والعكس صحيح، وارى انه الحل السحري للاشكالية الكبرى التي عصفت بوقعنا منذ ثلاثة عقود.
وهذا ليس صعبا ولا مستحيلا ان نجح الفائزون في هذه الانتخابات بتشكيل حكومة قوية تمسك بالبلاد وتؤمن مسبقا بالدولة المدنية.