شهدت أسعار المواد الغذائية والسلع والاحتياجات اليومية ارتفاعاً خلال الأشهر الماضية؛ الأمر الذي أرهق ميزانية المواطن وغيَّر حساباته الانفاقية، وفيما اتخذت الحكومة إجراءات عديدة للمحافظة على أسعار المواد الغذائية عزا خبراء اقتصاديون هذه الظاهرة الى تذبذب سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي فضلاً عن عوامل أخرى تتعلق بالانتاج والاستيراد العشوائي.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وقال المتحدث باسم وزارة التجارة، محمد حنون، لوكالة الأنباء العراقية (واع): إنه "بعد الارتفاع الذي شهدته الأسواق المحلية في المواد الغذائية نتيجة ارتفاع سعر الدولار، تشكلت لجان ثلاثية مشتركة وبتوجيه من مكتب رئيس الوزراء وبمقترح من وزارة التجارة متمثلة بالأمن الوطني ودائرة الجريمة المنظمة وادارة الرقابة التجارية في وزارة التجارة لمتابعة السوق المحلية والقيام بجولات تفقدية بغية التثقيف بعملية ارتفاع الأسعار وأسبابها".وأضاف: لدينا في دائرة الرقابة التجارية في وزارة التجارة شعبة متخصصة لدراسة السوق وإعداد تقارير مباشرة للمجلس الوزاري الاقتصاد والى مكتب رئيس الوزراء ،ومهمة هذه الشعبة هي وضع الحكومة والمجالس الاقتصادية في محددات ارتفاع الأسعار واسبابها، ،وبالتالي تم اتخاذ اجراءات سريعة وعاجلة في موضوعات ارتفاع أسعار ومنها الطحين حيث هنالك لجنة في مكتب رئيس الوزراء وكلفت بها العمليات المشتركة والاجهزة الأمنية لمتابعة حركة نقل الطحين بين المحافظات ومتابعة ما تعرضه الأسواق المحلية من كميات الطحين".
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي قصي صفوان لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن "عملية متابعة أسعار المواد بحاجة إلى تنسيق بين وزارة التجارة ودائرة الأمن الاقتصادي في الداخلية للحد من التلاعب في الأسعار خاصة على مستوى مبيعات الجملة والمفرد وزيادة الشفافية في أسعار البيع وعدم احتكار المستهلك وامكانية اعطاء الدعم للأسواق النظامية التي تستطيع تخفيض الأسعار".
وأضاف أن "البنك المركزي حالياً يعرض سندات محلية بمعدل فائدة عالٍ بهدف كسر الأسعار وامتصاص الدينار العراقي الفائض الذي أدى إلى تراكم الطلب على بعض السلع وارتفاعها خاصة أسعار العقارات وبعض السلع ذات الطبيعة الرأسمالية.
وتابع أنه "من بين الحلول، سحب الدينار العراقي الفائض وإعادة ضخه لدعم الانتاج المحلي، لكون القاعدة الأساسية تقول: إنه كلما عظمنا من قدرة الانتاج المحلي ، كان امتصاص للبضائع"، مشيراً إلى أن "دعم البطاقة التموينية بإضافة مفردات جديدة وبنوعيات جيدة واعادة النظر بالمشمولين بالرعاية الاجتماعية وتوسيعهم يعدُّ من الحلول الناجعة في مواجهة هذه الظاهرة".
الى ذلك، أوضح الخبير الاقتصادي نبيل جعفر لوكالة الأنباء العراقية (واع) أنه "من المعروف أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي قد أدّى إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وخاصة الغذائية ما أدى ذلك إلى تراجع الدخل للمواطن العراقي والى زيادة نسبة الفقر خصوصاً أن الارتفاع تزامن مع جائحة كورونا والتي أدت الى إغلاق الاقتصاد العراقي والضرر بالقطاع الخاص".
ولفت إلى أن "الرقابة على السوق في العراق غالباً ما تكون مراقبة لصلاحية السلع وأن تكون غير مضرة بالصحة ، ولا تكون هناك رقابة على الأسعار ، والأسعار تتحدد وفق آلية السوق في العرض والطلب لكن بإمكان الدولة التأثير في أسعار السلع من خلال تشكيل الجمعيات التعاونية التي تزيد من السلع والخدمات والتي تؤدي بالتالي إلى انخفاضها من خلال زيادة مواد البطاقة التموينية".
فيما يرى الخبير الاقتصادي أسامة التميمي أن"الجهات المختصة بمراقبة الأسواق العراقية تعددت ،منها ما يهتم بإعداد قاعدة البيانات ومراقبة التضخم ومسبباته ،ومنها جهات تنفيذية تعمل على المحافظة على سعر الصرف ،وهذه السلطة تتمثل بالبنك المركزي إضافة الى وزارة التجارة التي من المفروض أن تكون على تماس عام من خلال مجساتها لمراقبة تقلبات الأسعار وإيجاد المعالجات الخاصة من خلال تقديم الدعم عبر البطاقة التموينية فضلاً عن جهات أخرى تتصل بوزارة الداخلية وجهات مسؤولة عن ضبط حركة البضائع عبر المنافذ الحدودية".
وأشار إلى أنه "بالرغم من تعدد الجهات إلا أننا نلاحظ التقلبات السريعة في الأسعار لمختلف الخدمات والسلع بمختلف اختصاصاتها وتعدداتها وفي جميع القطاعات الانشائية أو الغذائية أو الدوائية أو الإسكان أو أي من القطاعات الأخرى التي هي على تماس مباشر بحياة المواطن البسيط".
وأضاف أن ارتفاع أسعار المواد بمختلف اختصاصاتها والغذائية منها لا يخضع الى سعر صرف الدولار فقط ،وإنما هناك عوامل أخرى منها عدم وجود دراسات ميدانية حقيقية لحاجة العراق من السلع والخدمات بل إن أكثر عمليات الاستيراد تتم بشكل عشوائي عدا في بعض الأحيان ما تقوم به وزارة الزراعة من خطوات وفي بعض الأحيان تكون متأخرة".
وبين أن هناك عمليات مضاربة تقوم بها بعض الجهات نتيجتها تكون ضد مصلحة المواطن والإضرار به ،وعلى سبيل المثال ما شهدناه من ارتفاع في أسعار زيوت الطبخ قبل أشهر كان نتيجة قلة المعروض في السوق وعدم قيام وزارة التجارة بمعالجات سريعة ما أدى الى ارتفاع غير مسبوق بأسعار الزيت ، إذ وصل الى أكثر من 30 ألف دينار بالرغم من أن سعر صرف الدولار كان بحدود 1225 ديناراً للدولار، إذن سعر الصرف ليس هو وحده الحاكم في سعر السوق ،وإنما هناك عوامل أخرى تتمثل بعدم وضوح الرؤية بعمليات الاستيراد وعدم وجود قاعدة بيانات واضحة في أغلب المؤسسات الحكومية وضعف المجسات الرقابية فضلاً عن ردود الأفعال المتأخرة لمعالجة الأزمات بالإضافة الى الفساد السياسي والإداري المتعمد لخلق الأزمات داخل المجتمع لغايات تتعلق بالاستحواذ على الأموال بطريقة أو بأخرى أو غايات سياسية".
وفي سياق ذلك، أكد الخبير الاستراتيجي بشير الساعدي، أنه "لا ينفع العراق إلا إقرار استئناف العمل بالبطاقة التموينية وبواقع 27 مفردة أساسية بنظام (بوكس) لكل فرد لجميع العراقيين بدون أي استثناء سواء أكانوا أغنياء أم فقراء على أن تكون مدعومة بنسبة 50% إلى 60% على أن يخصص لها من الموازنة العامة 18 مليار دولار، وهذا حق بسيط من حقوق العراقيين ،وهذا ما ينهض بالعراق ،وهذا ما يسعد العراقيين حيث ترفع 90% عن كاهل رب الأسرة المادي".
وكان المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، قد ذكر لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "التضخم شهد ارتفاعاً في معدلاته بعد تغيير سعر صرف الدولار في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، حيث ارتفع في البداية الى 4% وبعد ذلك شهد استقراراً، فهناك ارتفاع شهري في معدلات التضخم ولكن بدأ بالتراجع".
وأضاف الهنداوي أن "التضخم ارتفع في الشهر الماضي بنسبة 0.5%، لكن الارتفاع التراكمي من شهر تشرين الثاني من العام الماضي الى شهر آب من العام الحالي وصل الى 6.5% بسبب التراكم بالارتفاع الشهري، وبمقارنة شهر آب من العام الحالي مع نظيره في العام الماضي سنجد أن الارتفاع بمعدلات التضخم وصل الى 8% تقريباً".
وأشار إلى أن "الأسعار هي التي تؤثر في ارتفاع التضخم إذ من الممكن أن ترتفع الأسعار فيرتفع مؤشر التضخم أي أن الإنسان بما لديه من أموال غير قادر على شراء سلعه بسبب ارتفاع الأسعار والنتيجة بسبب التضخم الشهري".
وتابع الهنداوي، أن "الإجراءات المطلوبة للحد من التضخم هي المحافظة على الأسعار بشكل مستمر وتوفير السلع والبضاعة في السوق، ومن جانب آخر زيادة حجم الاستثمار ؛ ما يؤدي إلى الحد من التضخم".