ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
أحيانا يكون للقصيدة وقع معين في داخلك وأنت تقلب أوراق بعض النصوص الشعرية العاطفية التي تتصف بالسائد المألوف للعديد من الشاعرات، إلا أن البعض منهن استطعن الخروج من هذا (السائد) لتؤسس لذاتها نقطة انطلاق جيدة في الوسط الشعري، وهذا قد يأتي من خلال عدة عوامل (اجتماعية/ نفسية/ ثقافية/ اكاديمية... الخ)من هذا المدخل المتواضع أكون ملزما أن ألج الى مفاتن الشعر في المجموعة الشعرية (وأقشر قصائدي فيك) للشاعرة رند الربيعي الصادرة من دار تأويل لعام 2021.
العاطفة الأنثوية كانت لها حصة واسعة في هذه المجموعة الشعرية التي احتوت على العديد من القصائد المختلفة بعد أن اخذت مسارا واحدا في صفة الاشتغال الفني والأسلوبي في نصوص متماسكة جدا تخلو من الجمل الزائدة والمفردات الفائضة.
تتخذ الشاعرة من الآخر (الغائب) عنصرا مهما في مقارباتها الشعرية التي تخطت فيها التابوات الشعرية بغية التحرر التام على ورق القصيدة من خلال لغة شعرية تضافرت مع وقع القصيدة في ذهن المتلقي من دون دراية منها.
ويبدو أن الاشتغال هنا يتفاعل تدريجيا باللاوعي من دون إدراك مسبق. أي أن فعل اللحظة الشعرية التي تتفجر في المخيلة هي من تسهم في تثوير اللغة لدى الربيعي.
(حين تظاهرت بنسيانك لقبلة على الشفاه
كنت أنا غارقة في التذكر
في مكامن البوح
ورذاذ عطر مناديل الليل
كل تلك البقع السوداء على قمصانك حراق شوق
لمشاكسة رجل خمسيني
ينعم بعَدّ كم شعرة علقت بقميصه في آخر احتضانه).
هذا التشاكل الفني في المفردة أعطى انزياحا واضحا في اللغة وجعل من الصورة الشعرية في حالة تدفق مستمر بعد أن حققت الشاعرة الدهشة المبكرة لافتتاح المجموعة في أولى قصائدها ومزيد من التشويق واللذة الماتعة في قراءة نصوصها بدقة.
(حين يموت الندى
في غمرة الظلام
وتفقد الرسائل عطرها
بين رفوف الذكريات
أسرق القوس من قزح
لئلا تبتلعه غربان الموت
ساعة فجر كاذب
تطرق الأقدار جماجم الأبرياء
بين كل هذا الغياب
أراك جنديا
يبتهل في محراب القتال).
هناك انصهار للألم داخل الإطار النصي رغم الجنوح للعاطفة لكن المعاناة والإحساس بالغربة داخل الإطار الحياتي هو من جعل (العاطفة والألم) أن يكونا توأما واحدا في التراسل الشعري داخل القصيدة وربما حالة الاغتراب التي تعيشها الشاعرة جعلها ترسم هكذا صورة شعرية دالة على عمق الألم والمعاناة، وما تعكسه الانفعالات من ألوان الشعور الحسّي في القصيدة وهي تسوق رغباتها الطريدة نحوه ومظاهر تلك اللوعة كافية لتفجير ينابيع العاطفة الدفينة في قلب الشاعرة فتثور العاطفة وتتأجج القصيدة الشعرية.
(هكذا من كل شيء
تولد الحرب
من بين أصابعك
من بين خصلات شعرك الذي احترفَ الفجر
من تحت قميصك
من أزراره السفلى
من فوضى عطرك
من شوق يولد عطرا).
الشاعرة هنا لا تكتب لنا غزلا تقريريا رتيبا لكنها تميل احيانا الى صور ايروتيكية (مخففة) ان جاز التعبير كي لا تقع في مصيدة هذا النوع المبتذل. فالعديد من النقاد والقراء لا يجدون في هذا الاشتغال منفعة شعرية.
الممانعة الاجتماعية جعلت من الشاعرة ان تقوم بتهديم الأسيجة وتفكيك العديد من القيود والاصفاد. التي سورت حياتها. ما ولد داخل نصوصها تعبيرات مسندة الى احاسيس مرهفة وهي تدون صرخات امرأة سجينة في مجتمع يتصف نوعا ما بالذكورية وشعورها الذي يهتز امام عذاباتها فهي تقاوم تلك الاهتزازات العنيفة من خلال دفوعات حسية داخل القصيدة.
(حد الجنون
كنت هادئة
لحظة اعتصار الحنين
خلف أبواب الشوق
راعفة النوافذ
بصور معاقة
حين لا تحمل
ندى كفيك
لبيك)
بعض من نصوص المجموعة أخذ منحى آخر في المعنى خارج الإطار العاطفين وإن كان مبتسرا لكنه يبشر بخير في محاولة لإزاحه ما يسمى بـ (الشعر النسوي) للدخول الى فضاءات واشتغالات أكثر عمقا ومساحات قد تتصف بالوجدان والحياة والموت والفناء والخوف من العالم الجديد المضطرب.
(لم تمت ضحكات حيّنا
ولم تنطفئ الشموع قرب مقام الخضر
ولم تغادرني عراقيتي
ولا هوس مواويل الجنوب فكلما تموت سنبلة تتعرى الحقول
بين السواقي هلعا
وأنا أتلو تراتيل الوسن بطعم الحنين
لتلك الوجوه الملبّدة بغيوم الفقر
زرعت المسافات بين القصب والبردي ملامح وطن وهسيس ثكلى ناحت بعدد جراحات وطني).
الاشكالية الوحيدة في مجموعة الشاعرة رند الربيعي ان بعض نصوصها المدونة في نهاية المجموعة كانت تفتقر الى الحبكة الفنية التي لا تتلاءم مع بقية النصوص الاخرى وهذا امر طبيعي جدا عادة ما يحدث في الاصدار البكر.
(اطمئن بدفئك على كتفي
كم أنت بروحي
بروحي كم أنت
بروحي تماما).