يحرص العديد من المسلمين بالعراق على زيارة قبر الامام الحسين بن علي (ع) بعد مرور أربعين يوما على استشهاده بالعاشر من محرم، وتشكل مناسبة زيارة الأربعين طقسا دينيا يتبارى به اهل العراق بإظهار صور الكرم والحفاوة، التي يبديها اهل البيوت الواقعة على الطريق التي يسلكها زوار الحسين (ع) الى مدينة كربلاء، والتي يسلكها الزائرون مشيا على الاقدام او ركوبا بالسيارات.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ولأن زيارة الأربعين تعد من العادات الدينية التي أصبحت من الأعراف والقيم التي يتمسك بها جميع محبي آل بيت النبي (ع)، ولعل هناك من يسأل عن أسباب وتاريخ الاحتفال بزيارة الشهداء والموتى بعد أربعين يوما.
ويأتي الاهتمام بزيارة أربعين الامام الحسين (ع) لما وصلنا من الموقف الشجاع والتصدي الصلب للأمام ضد سلطة الطاغية، وبالتالي وقوفه لمواجهة جيش كبير معزز بالأسلحة والدروع بعدد قليل من الرجال لم تضعف عقيدتهم، ولا لانت معنوياتهم ولا تراجعوا عن كلمتهم فنالوا الشهادة في ابهى صورها، وتم التنكيل والتمثيل بالشهداء وبكل بيت النبوة من الرجال والنساء والأطفال المصاحبين لركب الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (ع)، ويذكرها التاريخ البشري بصور استثنائية وظروف زمانية تسبق عصرها في الثبات والتفاني من اجل المبادي والقيم، ما جعل الأنظار تتوجه نحو تلك الواقعة وتحتفي بالشهيد الحسين وبالقافلة من الشهداء الذين قضوا معه.
هذه الخصوصية تعبر عن معنى الشهادة وعمق الصورة، التي أراد الحسين أن يوصلها الى الأمة في رفض تبوئ الحاكم غير المؤهل لقيادة الأمة زمام السلطة ورفضه البيعة ولو بالكلمة، وللأربعين في التراث الإسلامي تذكر بان الله سبحانه وتعالى خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا، كما تعارف البشر على ان سن اكتمال العقل عند الانسان بعد الأربعين، اذ جاء في سورة الاحقاف – الآية 15 ( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). كما ان الوحي نزل علي النبي (ص) بعد ان بلغ الأربعين، ويزيد الامر تأكيدا بقاء تلك العواطف البشرية حساسة تجاه ما لحق بيت النبي من انتهاك ومصيبة وسلب ونحر للرؤوس واستعراض انتقامي للشهداء، ولمن تبقى من الرجال والنساء بقصد القضاء كليا على من تبقى لهذه العائلة فخاب ظنهم.
ما يجري من المآتم والعزاء الذي يقام يعبر عن حجم المشاركة في احياء تلك الشعيرة، التي تعبر بحق عن تعلق الناس باهل بيت النبوة، والاستعداد العفوي لمناصرتهم، ولحجم المشاركة الكبيرة التي تقوم بها اعداد تتجاوز الملايين ما يلزم الحكومة على حمايتها وتوفير مستلزمات تسهيل الزيارة، غير ان على المعنيين والمهتمين بهذه الزيارة أن تكون لهم فرصة لبث الوعي وتهذيب النفوس ورعاية الفقراء وتوجيه العطاء والكرم ضمن هذه المناسبة والاستمرار به بعدها، حتى يمكن ان تكتمل حقيقة وصواب ومعنى الزيارة، وان تكون تعاليم وقيم الامام الحسين (ع) حاضرة ويدركها العامة من الناس، فالحسين لا يحتاج منا العويل والبكاء واللطم بقدر ما يحتاج منا تبسيط القيم الذي اعطى روحه في سبيلها وثورته ضد الظلم، حتى تكون روحه حاضرة بيننا وحتى لا يكون الطقس تقليديا وروتينيا، وان تكون هذه الزيارة مناسبة لمراجعة النفوس وتمتين أواصر المحبة والتآخي بين المسلمين وبين باقي الديانات ونتوحه الى انفسنا لمراجعة ما زرعناه من إيجابيات وسلبيات في مواقفنا واعمالنا.
ثمة من يقول إن الاحتفال بأربعينية الميت ظاهرة فرعونية انتقلت الينا من ممارسة المصريين القدماء، ولعل اول زيارة لقبر الحسين من قبل الصحابي (جابر بن عبدالله الانصاري) بعد أربعين يوما شكلت معلما اجتماعيا، كما ان هناك سردا شيعيا يؤكد أن راس الحسين أعيد من دمشق ليلحق بالجسد الشريف في كربلاء بعد أربعين يوما بما نسميه بالعراق (مرد الراس)، وتأتي زيارة الأربعين للتعبير عن رفض الناس للظلم ورفض الذل والهوان ولعلها تكون درسا بليغا للحكام.