العلاقة بين الجائحة وعمليات تبييض الأموال خلقتها الظروف المستجدة والعمل عبر الإنترنت، حيث أكد خبراء أن مبيضي الأموال استغلوا التغييرات التي طرأت على نمط الحياة وفتحت الباب لسبل جديدة جرت عبرها عمليات تبييض أموال حول العالم.
العلاقة بين كورونا وتبييض الأموال
قبل أيام حذر مصرف الإمارات المركزي من مخاطر متزايدة لتدفقات مالية غير قانونية ناجمة عن جائحة كوفيد-19 وتشمل غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
بحسب التقرير الصادر عن المصرف فإن التعامل مع مقدمي الخدمات المالية غير المرخصين لغسل الأموال تزايد خلال أزمة فيروس كورونا العام الماضي، إضافة إلى استخدام التجارة الإلكترونية لغسل الأموال، وهو ما أكده خبراء الاقتصاد .
من ناحيتها، قالت ماري أبي نادر، مديرة إمتثال في البنك العربي (سويسرا) لبنان، إن تبييض الأموال هي جريمة تابعة، تترتب على إخفاء معالم جريمة أولية، والتي حصل من خلالها "الشخص" على الأموال ويسعى لإدخالها في القطاع المصرفي، وهو ما يدفعه لعملية "التبييض".
تفنن عمليات التبييض
وأضافت "، أن زيادة عمليات تبييض الأموال ناتجة عن الأسلوب الجديد للحياة الذي فرضته جائحة كورونا، وأن المستجدات التي تفرضها التغيرات في نمط الحياة تدفع بالمجرمين إلى التفنن في أساليب عمليات التبييض.
وترى ماري أن المجرم في أغلب الأوقات يسبق القانون، أي أنه دائما ما يتفنن في وجود حيل أو ثغرات لتنفيذ هذه الجرائم، فيما يترتب على ذلك سن تشريعات لمعالجة الخلل والتصدي لمثل هذه الجرائم.
وفرضت الجائحة الكثير من التغيرات في نمط الحياة، وعمليات الاستهلاك، حيث أصبحت المستلزمات الطبية هي الأكثر استخداما وربحا على مدار عامين حتى الآن، وهنا توضح ماري، أن الجائحة فرضت الكثير من التغيرات على نمط حياة الأطفال الذين باتوا يقضون الكثير من الساعات على الأنترنت، حيث تضاعف الوقت بشكل أكبر خاصة مع قضاء وقت اللعب والمذاكرة والعمليات الأخرى، وهو ما جعلهم "مرصدا" للمجرمين، وهو الجرم الأول بشأن تبييض الأموال.
الأمر الثاني يتعلق بتزييف المستلزمات الطبية، أي بيع الأجهزة والأدوات غير المرخصة، وهو ما دفعهم نحو عمليات إدخال الأموال الناتجة عن عمليات البيع في القطاع المصرفي، وهي جريمة جديدة لم تكن معروفة من قبل.
مؤشرات وأرقام
حصر الجرائم الخاصة بتبييض الأموال ليست دقيقة، خاصة أن المؤشرات يمكن أن تشير إلى ارتفاع العمليات، لكنها لا تحصرها بالكامل.
بعض الأمثلة التي ذكرتها تتعلق بالبرازيل، من إبريل/نيسان 2020 حتى نوفمبر/تشرين الثاني، رصدت 56 عملية بـ 17 ولاية مختلفة مرتبطة بتبيض الأموال، أوقف من خلالها 133 شخصا، ما شكل 985 أمر تفتيش ومصادرة بمقدار 360 مليون دولار للجرائم المذكورة.
وفسرت ارتفاع المؤشرات في المثال السابق نتيجة المبالغة في أسعار المعدات الطبية على حساب المجتمع والقطاع العام، وشراء المستلزمات غير المرخصة، كما وقعت اختلاسات لأموال مخصصة لمحاربة جائحة كورونا، إضافة إلى إساءة استخدام الموارد العامة لمحاربة الفيروس.
خلال أزمة كورونا كانت بعض المؤسسات العامة لا تستطيع الحصول على المستلزمات بالطريقة المعتادة، حيث لجأت هذه المؤسسات لشركات عبر الانترنت لشراء البضائع، واتضح فيما بعد أنها شركات وهمية.
انعكاسات سلبية
تأثيرات عدة تتركها عملية تبييض الأموال، حيث توضح ماري أن زيادة عمليات تبييض الأموال ترتبط بزيادة الجرم الأساسي المتمثل في تجارة الأعضاء والاتجار بالبشر والمخدرات والتزوير، حيث يعد ارتفاع مؤشرات تبييض الأموال تشجيعا للجرائم الأولية.
كما ينعكس الأمر على القرارات التي تتخذها المصارف، خاصة أن عمليات تحويل الأموال من بنك إلى بنك تتم بصورة سريعة في إطار عملية التبييض، الأمر الذي ينعكس سلبا على قرارات البنك التي تتخذ بناء على الرقم المالي الموجود لديه والذي قد يتغير بين يوم وليلة، ما يعني تغيير القرارات.
في الإطار ذاته، قال عماد عكوش الخبير الاقتصادي اللبناني، إنه يتم استغلال الظروف سواء كانت أمنية، اقتصادية، أو صحية من قبل غاسلي الأموال للقيام بعملياتهم تحت هذا الستار.
استغلال التغيرات
يؤكد عكوش " أن عمليات البيع "الأونلاين" فتحت الباب للكثير من عمليات تبييض الأموال، عبر استخدام منصات إلكترونية، الأمر الذي ساعد على عمليات البيع والتحويل بسهولة، وخاصة لسلع لم تكن مطلوبة سابقا كالأدوات الطبية، اللقاحات، أدوات التعقيم والأوكسجين.
عدم المتابعة والتدقيق في الصفقات التي جرت نظرا للحالة الطارئة زاد بدرجة كبيرة من عملية غسيل وتبييض الأموال بين الدول، وخاصة لدى الدول التي تعتبر "مراكز ترانزيت" عالمية، أو مركز عبور للسلع والمعدات ما بين الدول ، كما يعزز ذلك وجود مراكز مالية مهمة في نفس هذه الدول.
"تعتبر الإمارات أحد هذه المراكز المهمة في عملية التجارة العالمية، أو التبادل التجاري بين الدول، لذلك من المؤكد أنها ستعتبر مركز رئيسي لعمليات غسيل الأموال أو على الأقل مركز عبور لهذه الأموال"، بحسب نص قوله.
وأشار إلى أن غسيل الأموال كان يمثل ما بين 2.5 إلى 5 % من الناتج القومي في العالم، وأن النسبة لا زالت قريبة من هذا الواقع.
أسباب سياسية
عادة ما تحتاج عمليات تبييض الأموال لبيئة تسمح بالعمليات التي تمر من خلالها، وهنا يشير الخبير الاقتصادي الجزائري، عبد القادر بريش، إلى أن تنامي الظاهرة يرجع إلى تفشي الفساد، وخاصة فيما يرتبط بالمسؤولين السياسيين، وعلاقتهم بدوائر المال والأعمال، حيث يشترك بعضهم في إحدى حلقات العمليات.
وأضاف "، أن غسيل الأموال الناتج من تزاوج العلاقة بين المنظمات الإرهابية وتجار الأسلحة والمخدرات، يتداخل أيضا مع العمليات الأخرى.
وأشار تقرير مصرف الإمارات إلى أن "الإغلاقات واسعة النطاق أسفرت عن زيادة كبيرة في التجارة الإلكترونية بسبب القدرة المحدودة على نقل الأموال والسلع خلال الجائحة، تتجه أطراف غير قانونية إلى التجارة الإلكترونية كأداة لغسل الأموال".
المصدر : سبوتنيك