يمكن أن يتسع هذا الموضوع ليصل مناطق كثيرة أوسع، عاطفية وفكرية، ولسنا مهيئين لتسع كل هذه المسافة. لذلك، ومن البداية، سنحدد لنا منطلقا، وهو حضور المرأة والتعامل مع هذا الحضور في نصوص يفترض أنها غادرت القديم إلى ما هو جديد
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
الأدب الجديد يعني جديداً في مضامينه الإنسانية، وإلا فلا جديد. إذاً لنؤسس مقولاتنا على ما نتمنى: مع اتضاح عصر العولمة، اتضحت أكثر قضية المرأة والمساواة في العالم. تبدل الإطار الاجتماعي للحراك «الثوري» مهيأً مصادره الثقافية وغاياته، لما ستشهده ثورات المستقبل الاجتماعية.
المهم ان الدعوة إلى مساواة المرأة عالمياً أعلنت بشكل رسمي واضح في العالم 1982، حين عقد المؤتمر الدولي الثالث حول المرأة في نيروبي وتشكلت شبكات نافذة، متعددة اللغات والقوميات. وازداد هذا التحرك في 1995 في المؤتمر الدولي الرابع حول المرأة في بيجيانغ، بإلزام الحكومات بتنفيذ التوصيات.
لن اتحدث عن مؤتمر البيئة والتنمية في ريو 1992 ومؤتمر حقوق الإنسان في فينا ومؤتمر السكان والتنمية في القاهرة 1994 هذه سبقت مؤتمر
بياجيانغ.
من ذلك نكون امام التزامات رسمية إذ الزمت الدول بموجب ما أعلن عنه بالتزامات موقع عليها. وبهذا الالتزام أن تعيد الدول النظر لا في حقوق المرأة حسب ولكن في سلامة أجواء حضورها أيضاً، في العائلة، في العمل وفي المنظمة والشارع. هذا يعني ضمناً، واخلاقياً، في الأدب والكتابة، التزاما بالمستجدات الاجتماعية والتطور الفكري. إذاً كان المقصود تحديداً الاهتمام في مضمون البيان تأليفاً وصحافة، لا لتأكيد الحقوق ولكن لاستكمال طبيعة الحضور الإنساني المشترك.
وهنا للأسف نواجه الاعتراض الكبير أو الخرق الكبير في السينما وفي الرواية وفي شعر ما يسمى «شعر الحب» الذي يكتبه غير المثقفين – أو التقليديون الذين يوظفون الرغبات والتعابير والجوانب، التي تجاوزتها الحداثة إلى ما هو أرقى وأكثر دلالة وعمقاً.
كان المفترض هو العكس تماماً، أي أن تكون هذه الفنون سباقة للالتزام بالمفاهيم والأفكار الجديدة، لا واجبات اجتماعية ولكن ضرورات فنية حديثة. كان الأمر شنيعاً في السينما العربية والشرق أوسطية عموماً والكثير من الأفلام الأوربية، أن المرأة في هذه الأفلام إما خائنة أو مقصرة أو عاملة سارقة، أو وسط إشكال أخلاقي. كما أن وضع الزوجة في الفيلم ظل لحد كبير تحت الوصايا والرغبات وضمن الخدمات المأجورة التي تؤطرها قوانين قديمة. خلاصة الأمر أن كل الحديث يتجه ضدها.
ما هو أكيد، وهذا جانب يُبقي الأمل قائماً، أننا نشهد في أفلام الخيال العلمي قدرات نسوية ملفتة وحوارات في الأداء، ومواقف متقدمة شجاعة واسهامات موازية أو متفوقة على رفاق الرحلة او ضمن مجموعة العمل والمواجهة. وهذا على العكس مما نراه في متابعتنا للرواية الجديدة. هنا كثيراً ما نلاحظ أن الكتاب ترسخت لديهم موضوعات و «مواصفات»، لا يزالون يؤسسون عليها وهم يكتبون جديداً. كنا نتمنى حضوراً متغيراً في الكتابات الجديدة لنرى نقلة تقدمية، وثورية أخلاقية.
في الكتابات العراقية التقليدية والكثير مما يكتب اليوم، لا سيما في قصص الحب أو قصائد التشبيب، الغزل، هي المرأة المشتهاة الجميلة، المغناج، أو المهجورة – تسويقاً لدورهم الرجولي- ومن جانبها تسويغاً لعطشها أو لما «تخجل منه» .. وإذا حصل ابتعاد عن هذه الموضوعات، فإلى الأسطوري، إلى الرؤية والمثال وهذا ليس في صالح المرأة قطعاً! فهو يبعدها عن الواقع ويخلق منها وجوداً هلامياً، لا علاقة للناس والواقع به. وهو من جانب آخر، ابتعاد عن الحلول وحتى عن التفكير بالحلول!.
ثمة عذر أقدره، أن حضور المرأة في المجتمع حضور رجعي وليس حضوراً متحرراً أو يسعى للتحرر. والكاتب العراقي يتحدث عن بيئة اجتماعية وعن امرأة من هذه البيئة. ولكن هذا كلام غير مقبول ثقافيا، فنحن بانتظار أن تختلف الرؤية ويختلف الفهم ونكشف الأسباب الأخرى التي طمرتها الظروف الاجتماعية المتعاقبة.
صحيح نحن لا نريد تعليمات ولا وصايا، لكننا بالتأكيد نريد أفكارا ما بعد الوعي وذوق ما بعد التحضر والتجديد وإنسانية تتشوق للحرية.
ننتظر من الكاتب استدعاء المستقبل ومساعدة النزوع الجديد على التفتح. نحن، أيضا لا نستطيع الاكتفاء ولا الاقتناع بما يقوله أو يراه مخضرمو الأيديولوجيات أو مخضرمات الأحزاب، أولاء في الحراك اليومي –العملي- يقدمون نماذج نسوية نظرية للتقدم العام – لا لتأكيد التقدم النسوي وفتح ممرات انطلاق جديدة لمفاهيمه الحديثة. نريد انتصاراً وتوسعاً في فهم قضية المرأة لا نشاطات غير نسوية
خالصة.
فلا كتابة جديدة ولا نسوية حقيقية لا تحمل روح المستقبل وافكار الحداثة بآفاتها الجديدة والمتسعة. أما استمرار الأفكار القديمة والتصورات القديمة في الحياة، أو في النصوص. فهي إشارة لعدم اكتمال الوعي وافتقاد
روح البصر.