ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
من نافلة القول إن حدوث العشوائيات هو سلوك غير حضاري يتنافى مع أبسط آليات العقد الاجتماعي المقنّن لعلاقة المواطن مع المجتمع وعلاقته مع الدولة، ويوافِق في العلاقة بين المواطن وبينهما كمحاور يكون فيها المواطن مرتكز ذلك التعامل وغايته.فالعشوائية ثغرة كبيرة في منظومة العقد الاجتماعي تشي عن خلل كبير وغير مقبول في فهم وتطبيق تلك التراتبية القانونية بين الطرفين، ما ادى الى حدوث التجاوز الواضح على الحق العام والخاص، فالعشوائية في أبسط تجلياتها هي عبارة عن تجاوز غير مرخص به او مقبول من جميع النواحي القانونية والاخلاقية والشرعية وحتى العرفية، والكرة ليست في ملعب المواطن المتجاوز لوحده، بل هي في ملعب الاجهزة الحكومية المعنية بتنفيذ القوانين الخاصة بمنع التجاوزات بجميع اشكالها، او على الاقل الحد منها قبل ان تستفحل وتغدو اعمالا تبدو للبعض جائزة ومقبولة، فالمسؤولية يتحمل تبعاتها المواطن المتجاوز والجهات المختصة بالمعالجة وكلاهما يحب ان يتحملا جزءا منها، لأنهما لم يعرفا عواقب المسألة، ولم تتضح الامور الاّ بعد استشهاد المهندس عبير الخفاجي، فبدأ ماراثون إزاحة آلاف التجاوزات العشوائية مهما كان شكلها وفاعليها، كمحاولة لاسترداد هيبة الدولة وفرض القانون واستعادة الحقوق المتجاوز عليها، فادرك الجميع بأن ازالتها ومعالجتها والاثار المترتبة عنها هي اكثر كلفة من اقامتها وارجاع الوضع الى ماقبل التجاوز والكثير من تلك التجاوزات، كلفّت مبالغ باهظة لشواخص معمارية باذخة، ظن منشئوها انها ستكون بعيدة عن المساءلة وينطبق الحال على الأسواق العشوائية المشيدة التي بزوالها، سيفقد الكثير من الناس مصادر رزقهم.
العشوائيات في ابسط دوافعها انها كانت حلا سريعا لمعالجة ازمة السكن المتفاقمة، لكنها استحالت الى مشكلة اكبر قد يجد الكثيرون من سكانها انفسهم من دون مأوى في حال معالجة الجهات المختصة لإخلائها او تهديمها، مع نكوص بقية الحلول للمعالجة مثل انشاء مجمعات سكنية عمودية او توزيع قطع أراضٍ وتهيئة الامور اللوجستية للبناء، مع العلم أن الكثير من سكان العشوائيات هم عاطلون عن العمل او هم دون خط الفقر، فهو ملف شائك ومتعلق بأزمة السكن وملفي البطالة والفقر وهي ملفات تستوجب معالجتها مهنيا ودستوريا ووضع الحلول الناجعة لها ولو مؤقتا، بالاستعانة بالتجارب العالمية والخبرات المعروفة بكفاءتها من ذوي الاختصاص ومراكز البحوث والدراسات للتوصل الى نتيجة مرضية لأطراف العقد الاجتماعي قبل الشروع بالهدم والازالة.
وجوب المعالجة المهنية اولا وقبل كل شيء فقد تكون الازالة بداية لمشكلات مستجدة، تكون اخطر من العشوائيات نفسها لاتستطيع الجهات المختصة السيطرة عليها لا سمح
الله.