انعقاد مؤتمر بغداد في هذا الوقت، وفي مثل هذه الظروف، ليس أمرا عاديا، وهو حدث نتمنى انه يتكرر مستقبلا، نظرا لكون العراق، وبحسب مكانته التاريخية والجغرافية، يمتلك ما لا يمتلكه الآخرون، فدوره المتمثل بتقريب وجهات النظر، والوقوف على مسافة واحدة مع الجميع، وسعيه المتواصل إلى مد جسور التعاون وتعزيز الصداقة والأخوة مع الجيران والدول الاقليمية
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وتنظيمه أخيرا لمؤتمر بغداد الذي جمع فرقاء ومختلفين، ودولا تعاني من خلافات ومشكلات في ما بينها، ونجاحه في تنظيم لقاءات بين الأشقاء المختلفين، والذين لا توجد بينهم علاقات دبلوماسية، هو أمر ليس سهلا، ولا يمكن لأية دولة القيام به، نظرا لتعقيد تلك الخلافات، وتشدد كل دولة برأيها. وانعقاد هذا المؤتمر، يمثل فرصة كبيرة ليس للعراق فحسب، وإنما لجميع دول المنطقة، حتى التي لم تشارك فيه، فهو بداية النهاية لمرحلة من العلاقات المتأزمة بين دول مثل مصر والامارات من جهة وقطر من جهة أخرى، كذلك وجود إيران بين دول مثل السعودية وتركيا وقطر ومصر، يسهم في تقريب وجهات نظر تلك الدول، ويفتح بابا واسعا لمرحلة جديدة من العلاقات في ما بينها. أما في ما يخص العراق، فإن الحاجة لدول الجوار كبيرة، خصوصا أن هنالك تعاملات تجارية كبيرة ومصالح مشتركة، كتلك التي بين العراق وإيران وكذلك مع تركيا. والمؤتمر فرصة كبيرة لحل الخلافات والمشكلات والنقاط الخلافية بين دول الجوار، خصوصا مع إيران وتركيا، في ما يتعلق بالوجود التركي مثلا، ومع إيران في ما يتعلق بالمياه وتنظيم حصة العراق، ومطالبة تلك الدول بمنح العراق كامل حصته من مياه نهري دجلة والفرات، خصوصا أن هنالك معاناة حقيقية لسكان المناطق الحدودية مع إيران، فبدلا من اللجوء إلى المحاكم الدولية، لضمان حصة العراق المائية، يمكن حل الخلافات وطرح وجهات النظر بشكل ودي، من خلال المؤتمر أو بعده، بعد تشكيل لجان مشتركة تتولى دراسة الموضوع. لكن الأمر يحتاج إلى عمل حقيقي وإرادة ورغبة من قبل الحكومة في معالجة جميع المشكلات والخلافات مع دول الجوار، ولعل مشكلة المياه أهم وأخطر تلكالمشكلات.
إن انعقاد المؤتمر هذا، يمثل فرصة حقيقية لاستعادة دور العراق في المنطقة، بوصفه يملك علاقات مع جميع الدول، ويسعى إلى النأي بنفسه عن سياسة المحاور، وهو أمر لا يقل أهمية عن أي هدف آخر، ذلك أن تقوية الجانب الخارجي للبلد، تسهم في تقوية الداخل، كما أن المؤتمر هو رسالة للجميع بأن سيادة البلد موجودة وأن الدولة قادرة على فرض هيبتها في الداخل والخارج. كما أن توحد الموقف السياسي العراقي من المؤتمر، أعطى انطباعا للمشاركين وللرأي العام بأن سيادة العراق خط أحمر ولا يمكن تجاوزها من قبل أي دولة.