ياسين النصير
يتساءل البعض عن ظاهرة الكثرة في التأليف الروائي والقصصي والشعري، ويتناسون العوامل المؤثرة والمنتجة لهذه الظاهرة التي لا نستطيع الحكم عليها، لا من كثرة ما ينتج فيها ولا من تنوع اشكال التعبير لها. وإن شئت في أي حكم مسبق على ظاهرة جديدة او موسعة لن يكون دقيقا ما لم يمر عليها عقدان او أكثر لنرى ما ترسخ منها وما ضمر. والتجربة أمامنا واضحة، فالكثير من الشعراء كتبوا في زمن الحركة الاولى للحداثة ولكن لم يبق منهم إلا شعراء بعدد أصابع اليد أو أقل منها، وقل ذلك بشأن القصة والمسرحية والنقد، وبما أن ظاهرة الكتابة وحدها لا تعني الثقافة الاجتماعية بكليتها، سنجد أن الفرد المؤلف له ما يمكن التعبير به عن خصوصياته، وهذا لايعني أنه ليس مؤلفا كما لايعني أنه مؤلف يمكن أن يتطور، وأول ملاحظة على الانتاج القصصي والشعري والروائي أنه تعبير عن الذات المؤلفة، ومتى ما اصبحت الذات جماعية يمكننا ان نعد ما كتب ضمن موجات الثقافة الجديدة. ولا فالمراقب لحركة الكتاب العراقي وتسويقه داخليا يشعر بالإحباك من ان القارئ العراقي لايقرأ انتاج كتابه. وهذه حال مؤلمة تتحمل نتائجها الدولة، التي تخصص في ميزانياتها للجامعات مبالغ لشراء الكتب لمكتباتها، إلا أن الجامعات لا تشتري الكتاب العراقي ومن ثم فالمبالغ المخصصة تعود ثانية للدولة لتلغى في السنة المقبلة.
في مصر مثلا، تخصص سلسلة للمبدعين الشباب، وتشرف عليها لجنة متابعة تقيم جديدها، وتنقل صاحبها إلى مرحلة التعامل مع المؤسسات الثقافية المسؤولة، وتشترى كتبهم من قبل مؤسسات المجتمع، إن هذه الحال للمؤلف الشاب تشبه انتقال فريق لكرة القدم من درجة إلى أخرى، وتشبه أيضا مرحلة هبوط البعض لدرجة
دنيا.
في العراق لايوجد إشراف على مثل هذه البنية الثقافية والاجتماعية، ولذلك اصبح المنتج الثقافي متجاورا في العرض وفي الصحافة من دون تمييز بين هوية له وأخرى. وشخصيا أنا مع الاكثار من الإنتاج الكمي للروايات والقصص والشعر، وهو الطريق الذي يضع منتجي الثقافة الشباب على الطريق الصواب، ولست مع الفوز في الجوائز معيارا لتميز هذا المؤلف عن ذاك. أقول أنا مع كثرة الانتاج واشاعته وتخصيص ندوات له والحديث عنه، فالثقافة لا تنمو من دون حراك، وليصمت النقد المسؤول عن الهفوات، فالمؤلفون العراقييون يعيشون في أجواء الحروب المستمرة سواء الخارجية منها او الداخلية، ولذلك ليست لهم فرضة لتأمل الواقع والأبعاد الاجتماعية وتطورات الحداثة ومابعدها، ولا يملكون رؤية شاملة لبنية النص من أنه عمارة مشيدة بالكلمات، وعليه أن ينتبه لهذه البنية الفضائية، وليست له دراية بالموسيقى للفقر الذي نعيشه وللغناء الفج الذي تسمعه فهو يكتب من دون أن يهتم بالايقاع الداخلي لنصه، كما أنه ليس على معرفة بتطور فئات وطبقات المجتمع العراقي ولا يعرف الكثير عن الأمكنة الشعبية التي تعيش فيها شخصياته، ويستمد منها أفكاره، فهو فقير في معرفة أمكنته وفضاءاتها وعلاقتها بالإنسان والتنمية وبناء المدينة والعلاقات الاقتصادية، ان التأليف في الوقت الحاضر خبرة عميقة بآليات اشتغال النص وبمكوناته الاجتماعية والبيئية والاخلاقية. كما أن المؤلف لاعلم له بدور النقد والاقتصاد في الحياة اليومية ولا يعرف أن الرواية ابنة المدينة مثلا، ولذلك لايمكن محاكمته بما يجهله لكنه حريص جدا على أن يقول ما يشعر به وما يجده تعبيرا عن معاناته، فهو ابن لمجتمع شامل وليس فردا يكتب عن الحروب والمآسي القائمة، لذلك أدعوه لأن يكتب ويكتب فالتطور يتم بالممارسة وليس بالتلقين.