د. عبد الواحد مشعل
تواجه المرأة في عصر العولمة إشكاليات ثقافية واقتصادية معقدة انعكست على أدوارها المختلفة، وبالتالي على حقوقها الثقافية والاجتماعية، أمام تصورات تحديثية وأفكار تقليدية تمت إعادة إنتاجها من جديد بثوب ديني أو قبلي في بعض المجتمعات العربية ومنها مجتمعنا العراقي، التي قطعت شوطا من التحديث، وقد تفاعلت هذه المتناقضات الثقافية في تراجع ادوار المرأة في الحياة الاجتماعية العامة.قيق ذلك ليس أمراً هيناً وسط مؤثرات ثقافية واجتماعية داخلية وخارجية صاغتها توجهات العولمة، فلم تعد الظروف سهلة، مثلما كانت نسبيا ملائمة في عصر النهضة وعصر التحولات التاريخية، التي شهدها العالم العربي في خمسينات القرن الماضي حتى فقدان التوازن بين قطبي العالم مع انهيار المنظومة الاشتراكية سنة 1989، واستفحال المد العولمي حتى اصبح الإنسان - رجلا وامرأة- اليوم مسلوب الإرادة، ويعيش حالة من الاغتراب والتهميش والاستبعاد، وبالتالي فهو يعاني من فقدان الراعي لمستقبل، بعدما طغت الانتماءات الفرعية على حساب الانتماء الوطني بأبعاده الثقافية والاجتماعية، لذا فان مناقشة واقع المرأة العراقية في عصر التنميط العولمي ومدى قدرتها على تجاوز الإشكاليات المعقدة التي تواجهها في المرحلة الحالية، وكذلك مدى قدرتها على المساهمة في بناء المؤسسات المجتمعية، لاسيما الأسرة والتعليم، كأداة للتنمية الإنسانية، يتطلب من وزارة التخطيط وضع ستراتيجية متكاملة عن دور المرأة العراقية في بناء الدولة الى جانب الرجل، وهي ضرورة حتمية في سبيل النهوض بالبلد حضاريا، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بتحرر المرأة من الأنماط التقليدية، وجعلها قادرة على التفاعل مع قضايا المجتمع، وهذا يأتي بعد مراجعة السياق الثقافي الذي تراجع دور المرأة فيه.
إن بناء قدرات الموارد البشرية يتطلب توازنا بين المساهمة النسوية في أي خطة تنموية قادمة، لان ذلك سيضمن مشاركة فعالة للمرأة في بناء مؤسسات الدولة من خلال: أولا: الوعي بدورها كعنصر فاعل في عملية التحول الثقافي في المجتمع. وثانيا: ينبغي الانتباه الى أن هذا الضمان لا يمكن أن يحصل من دون تعليم المرأة وتخليصها من بعض الأنماط الاجتماعية التقليدية، التي أدت بها الى الانزواء وأحجامها عن المساهمة في بناء مؤسسات الدولة، وهذا يتطلب من الدولة اعتماد المعرفة في عملية البناء، وإعطاء للمرأة مساحة أوسع في التعليم والتأهيل المهني أسوة بالرجل.