علي حسن الفواز
صناعة الحرب لا تشبه صناعة البسكويت، ومن يذهب إلى خيارات الحرب عليه أن يدرك خطورة التداعيات التي قد تجرف معها السياسة والاقتصاد والاجتماع والجغرافيا، لكن الخفي في هذه الصناعة هو معرفة اسرارها ونواياها، إذ إنَّ توقيتها، وطابعها هما ما يثيران الريبة، إذ يكشفان عن أهداف يختلط فيها السياسي بالعسكري، والأمني بالجغرافي، حتى تبدو وكأنها رهان على تغيير موازين القوى، أو اعادة توصيف لما يسمى بقواعد الاشتباك.
التصعيد الاسرائيلي في جنوب لبنان وفي الارض المحتلة له اهداف واسعة، سرية ومفضوحة، لكنها تصبُّ جميعا باتجاه وضع المنطقة أمام "فوهة البركان" كعنصر تهديد وضغط لإجبار الاخرين على القبول بحلول ثنائية القوي والضعيف، والانخراط في مفاوضات نزع الأقنعة. تقول الوقائع على الارض إنَّ اسرائيل غير قادرة على خيار "النصر الكامل" وإن عسكرتها لم تعد نافعة في تغيير موازين القوى، وعليها أن تبحث عن "خيارات عاقلة" للتعاطي مع الواقع والميدان والآخر، وحتى الشفاعة الاميركية ليست ناجعة في دفاعها عن رهانات صناعة تلك الحرب المعقدة وذات التكاليف الباهظة، لأنّ هذه الحرب ستكون في "ارض الدمينو" أي إنها ستكون حربا للاوهام وحرب الجميع على الجميع، وأحسب أن لا مصلحة لأميركا ولا للغرب، ولا حتى لدول المنطقة التورط في الذهاب إلى الجحيم. تسويغ الحرب بمواجهة المشروع النووي الايراني، وبتحجيم الجماعات التي تدعمها ايران ليس مبررا لهذا الخيار الغبي، ولا حتى لافتراض أنَّ الحرب هي وجه آخر للسياسة، بل انَّ مايثير في هذه البروباغندا العسكرية هو ارسال رسائل معينة مع تنصيب الرئيس الايراني الجديد، ومع تصاعد حدّة الأزمات الداخلية في لبنان، وباتجاه الضغط على وضع الجغرافيا والاقتصاد ضمن لعبة النار، وحتى التهديدات الاميركية والبريطانية والاسرائيلية الاخيرة لإيران ليست بعيدة عن ذلك، لأنها تعكس في جوهرها الضغط على الاسراع في معالجة الملفات المعقدة والغامضة، ومنها الملف النووي، لكن الأمر ليس بسيطا، فهو يحتاج إلى جملة من الاجراءات والمعالجات، وربما التنازلات، لكي تنعم المنطقة الساخنة ببرودة الخيارات بعيدا عن أوهام المنتصر والمغلوب. ما يحدث في جنوب لبنان وفي الخليج ليس بعيدا عمايحدث في افغانستان، لاسيما بعد الانسحاب الاميركي المرتبك منها، إذ باتت الجبهات المفتوحة أفقا لصراع أكثر شراسة بين الافغان انفسهم، وفي المنطقة بشكل عام، حيث ستُرحّل الجبهات العسكرية والايديولوجية إلى أماكن أخرى، وستحمل معها تهديدات جيوسياسية لدول تريد الولايات المتحدة توريطها بحروب الجغرافيا، لكي تبعدها عن حروب الاقتصاد.