ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
الدولة نظام ومؤسسات، فضلاً عن كونها جهازاً إدارياً تحكمه القوانين وسياقات العمل، وهذا التوصيف المنهجي يتطلب وجود التخطيط والتنظيم والرقابة والمراجعة، لضمان تواصلية العمل في نظام المؤسسات، وباتجاه تحقيق النجاح، وتقليل هوامش الضعفوسوء الادارة.
فشل ادارة الدولة، والتضخم الكبير في مظاهر الفساد والعجز يعكسان خللا بنيويا في التعاطي العقلاني والمؤسساتي، وحتى القانوني مع مفهوم الدولة، إذ يتبدى ذلك من خلال الضعف في تأطير النظام، وفي ادارة المؤسسات، وفي العمل على تحقيق النجاح المادي والرمزي، وعلى وفق أهداف ورؤى واضحة لها برامج وتصورات، وجدوى اقتصادية وسياسية وامنية، وحتى ثقافية، فالعالم لم يعد محكوما بـ"النوايا الحسنة" ولا بـ"العمق التاريخي" بل بالقدرة على تحويل النوايا إلى حوافز، وإلى اجراءات ودوافع، وإلى استشراف للمستقبل، وعبر توظيف العمق التاريخي كقيم رمزية وأخلاقية للنهوض بالذات والهوية، وللرهان على تأهيل الواقع لما هو جديد
وحيوي وفعّال.
عقدة الأنا عند البعض ممن يتصدون للمسؤولية صارت سببا لتعطيل ارادة وعي مشروع الدولة، حدّ ربط هذه الارادة بمنظور ايديولوجي او جماعوي، وكأن لا نجاح للدولة ولعمل مؤسساتها دون وجوده في قدماتها الأمامية، وأن الفشل والفساد وسوء الادارة ماهي الا بسبب غيابه، وبسبب طبيعة الصراعات التي يتوهمها مع الآخر، وصولا إلى تحويل ذلك الآخر إلى شبح، أو إلى "بعبع" لإثارة مخاوف الناس.
في هذا السياق فإنَّ الحديث عن مفهوم "الدولة الناجحة" سيكون مرتبطا بالقدرة على إدارة ذلك النجاح، عبر المؤسسات وعبر مواجهة مظاهر الفشل، ولا يمكن النظر إلى مظاهر ذلك الفشل إلّا من خلال البحث عن الاسباب الحقيقية، والتي تتجوهر حول سوء التخطيط وسوء التنظيم وسوء الرقابة، والضعف في وضع مشروع الدولة في مسار تحركه ارادة واعية، بما فيها ارادة الفاعلين الحقيقيين في ادارة ملفات السياسة والاقتصاد والاجتماع والامن، وملف العلاقة مع الاخر، فنحن لسنا في غابة، ولسنا بعيدين عن مصالح الاخرين وعلاقاتهم ومنظوماتهم السياسية والاقتصادية، وهذا مايعني ضرورة ادراك خطورة التهاون في النظر إلى مشروع الدولة الوطنية من منطلق أنها المؤسسة التي تحمي الجميع، والتي تضمن الحقوق والعدالة والسلم والتواصل بعيدا عن الخيارات الضيقة، والمصالح الأنوية التي تقود إلى العنف وإلى صناعة المعسكرات الصغيرة.